يَا دَارُ...‏

 

 

شعر: سعيد يعقوب

شاعر أردني

 

 

 

لَمْ يَبْـــقَ فِيْ الــدَّارِ أَحْبَــــــــابٌ وَزُوَّارُ         فَلْتَبْكِ أَطْلَالَهَـــا مَا شَــــاءَتِ الــدَّارُ

 

مَضَى الأَحِبَّــةُ عَنْهَـــا فَهْيَ ثَاكِلَــــــــةٌ          تَبْكِيْ وَحِيــدًا لَهَــا غَالَتْـــهُ أَقْـــــدَارُ

 

كَأَنَّ مَدْمَعَهَــــــا يَجْـــرِيْ بِتُرْبَتِهَــــــــا         غَيْـثٌ فَلِلنَّبْتِ فِيْ الأَطْـرَافِ إِزْهَـــارُ

 

هَذِيْ الشُّقُوقُ عَلَى الجُدْرَانِ مَا ظَهَرَتْ          لَوْ لَمْ يَكُـنْ مِنْـــكِ لِلْآهَـاتِ إِظْـــهَارُ

 

كَأَنَّــــكِ القَلْبُ لَمَّـــا بَـاتَ مُنْـصَدِعًـــــا          مِـنَ المَصَائِـبِ تَغْشَـــــــاهُ فَيَنْهَـــارُ ‏

 

وَغَادَرَ النُّـــورُ وَالتَّفْـــتْ بِعَتْمَـتِـهَــــــا          فَلِلسُّـــكُونِ بِهَـا وَالصَّـمْتِ إِعْصَــارُ

 

مَا عِنْـدَهَـــــا غَيْرُ أَنْقَاضٍ لِذَاكِـــــــرَةٍ          أَغْفَـتْ عَلَى حُزْنِهَـــا المُمْتَدِّ أَسْــرَارُ

 

كَأَنَّـمَــا البَابُ إِذْ طَــــالَ الوُجُــومُ بِــهِ           شَـيــْخٌ لَـهُ فِيْ بِحَـارِ الوَجْدِ إِبْحَـــارُ

 

يَجُوبُ فِيْ أُفُقِ الذِّكْــــرَى فَتُذْهِلُـــــــهُ           عَـنِ الوُجُــودِ مَسَــــرَّاتٌ وَأَكْــــدَارُ

 

كَأَنَّ مِفْتَاحَـــــهُ وَالشَّـــوْقُ يَحْرِقُـــــــهُ           قَلْـبُ المُتَيَّـــمِ أَذْكَتْ شَـوْقَـــهُ نَــــارُ

 

وَقَفْـــتُ بِالــدَّارِ مِنْ بَعْــدِ الغِيَـابِ فَلِيْ           مِنْ بَعْدِ مَعْرِفَــــةٍ شَـــــكٌّ وَإِنْكَـــارُ

 

تَبْدُو لِعَيْنَيَّ فِيْ أَثْــــوَابِ أَرْمَلَــــــــــةٍ           وَدَمْــعُ مُقْلَتِهَــــــا فِيْ الخَـــدِّ مِدْرَارُ

 

كَأَنَّمَـــــا لَمْ يَدُرْ فِيْ سَــــــاحِهَـا فَرَحٌ            وَلَمْ تَشُــــــعَّ بِهَا لِلْبِشْـــــرِ أَنْـــــوَارُ ‏

 

وَلَا تَغَنَّــــتْ بِهَـــا الأَطْيَارُ مِنْ طَرَبٍ           وَرَفْرَفَتْ بِمَـدَاهَـا الـرَّحْبِ أَطْــيَــارُ

 

وَلَا شَـــــدَا ثملا شَــــادٍ بِفَرْحَتِهَـــــــا           وَلَا أَمَــالَتْ قُــــدُودَ الغِيــــدِ أَوْتَــارُ

 

كَأَنَّ أَشْـــــجَارَهَا مَا أَثْمَرَتْ ثَمَــــــرًا           يَوْمًا وَلَا فَضَّضَ الأَغْصَانَ نَــــوَّارُ

 

وَلَا احْتَفَـــتْ بِقُدُومِ الضَّيْـفِ مِنْ كَرَمٍ           وَلَا لَـــــهُ كَـــانَ إِجْــــلَالٌ وَإِكْبَـــارُ

 

وَالبُنُّ وَالهِيــلُ فِيْ أَرْجَائِهَــا عَبَقَـــــا           وَطِيبُ فَوْحِهِمَــــا سِـــحْرٌ وَإِبْهـَـــارُ ‏

 

وَلَا بِهَــا طَــالَ لَيْلُ السَّــــاهِرِينَ وَلَا           طَابَتْ عَلَى الصَّفْوِ لِلسُّـمَّارِ أَسْـــمَارُ

 

كَأَنَّ مَنْ سَـــكَنُوا فِيـهَا وَقَـدْ ذَهَبُـــــوا          أَشْــــبَاحُ لَيْلٍ فَمَا حَطُّـــوا وَلَا ثَارُوا

 

قَدْ أَسْـــدَلَ الدَّهْرُ فَوْقَ السَّـاكِنِينَ بِهَـا           سِـتْرًا وَكَـمْ أُسْــدِلَتْ لِلدَّهْرِ أَسْــــتَارُ

 

فَمَــا تُحِــسُّ لَهُــمْ رِكْــزًا وَلَا خَبــَرًا           وَلَا لَهُــــمْ كَـانَ إِيرَادٌ وَإِصْــــــــدَارُ

 

جَرَّتْ رِيَاحُ الَّليَالِيْ ذَيْلَ بُرْدَتِهَــــــــا          عَلَـى خُطَـــــاهُمْ فَمَا لِلْخَطْـــــوِ آثَـارُ

 

يَا دَارُ أَيْنَ الأُلَــى كَانُوا هُنَا سُــــحُبًا           تَهْمِــــيْ مَحَبَّتُهَـــــا فَالقَفْـــرُ أَزْهَـارُ

 

أَيْـــنَ الذِينَ هُنَــا كَانُــوا لَنَـا أَمَـــــلًا           تَحْيَــا النُّفُـــوسُ بِــهِ وَالعَزْمُ مُنْهَــارُ

 

أَيْــنَ الذِينَ ارْتَوَيْنَــــــا مِنْ مَوَدَّتِهِــمْ           إِذِ المَــــــوَدَّةُ أَنْهَـــــارٌ.. وَأَنْهَــــــارُ

 

وَكَــمْ حَمَتْنَا مِنَ الأَحْدَاثِ دَعْوَتُهُـــمْ           كَـأَنَّ أَدْعِيَـــــةَ الأَحْبَـابِ أَسْـــــــوَارُ ‏

 

يَا دَارُ هَــــلْ خَبَــرٌ عَنْهُـــمْ يُطَمْئِنُنَـا          فَمُنْذُ أَنْ رَحَلُـــــــوا لَمْ تَأْتِ أَخْبَــــارُ

 

لَا يَأْمَــنِ الـــدَّهْرَ إِلَّا كُلُّ ذِيْ سَـــفَهٍ          فَالــدَّهْــــــرُ مُـنْقَلِــبٌ بِالـنَّــاسِ دَوَّارُ ‏

 

يَا دَارُ..يَا دَارُ.. يَرْتَدُّ الصَّدَى وَجَعًا          وَإِنَّ رَجْـــعَ الصَّـدَى يُخْفِيــــهِ تَكْرَارُ