مَجَازَاتٌ عَالِيَة

قيس القوقزة
شاعر أردني.

(1)
الجِدَارُ؟!
حِيْنَمَا مَلَّ قَلْبِي عُبُورَ الجِدَارِ
تَأَكَّدْتُ أَنَّ الجِدَارَ الَّذِي
كَانَ يَسْكُنُ فِي دَاخِلِي
كَانَ يَعْبُرُنِي
فَالجِدَارُ الَّذِي كُنْتُ أَحْسَبُهُ
مَحْضَ ظِلٍّ يُحِبُّ الهُدُوءَ..
وَيَخْشَى ارتِطَامِي بِهِ
كَانَ يَخْدَعُنِي ...
كُلَّمَا زِدْتُ طُولًا
مَعِي كَانَ يَزْدَادُ طُوْلًا
وَمَا كانَ يُخْبِرُنِي
كُلَّمَا اخْتَلَسَ القَلْبُ مِنْ ثُقْبِهِ نَظْرَةً
كَانَ يَنْظُرِ لِي
كَانَ يَخْتَلِسُ النَّظَرَاتِ
وَيَضْحَكُ حِيْنِ أُبَادِرُهُ ضِحْكَةً
كَانَ يَبْكِي إِذَا مَا بَكَيْتُ
فَهَذَا الجِدَارُ العَنِيْدُ يُقَلِّدُنِي
الجِدَارُ الَّذي كَانَ يَكْبُرُ غَافَلَنِي
كَانَ فِي دَاخِلِي
لَمْ يَكُنْ عابِرًا
أَو مَجَازًا سَيَمضِي مَعَ الوَقْتِ
بَلْ كَانَ يَسْكُنُنِي
الجِدَارُ الَّذي هَدَمَتْهُ يَدِي
بَعْدَمَا ظَلَّ يَتْبَعُنِي
بَعْدَمَا ظَلَّ يُتْعِبُنِي
فِي الحَقِيقَةِ كَانَ "أَنَا"
حِينَمَا كُنْتُ أُشْبِهُنِي ...
(2)
الطَّرَيقُ الوَحِيدُ
الطَّرَيقُ الوَحِيدُ المُؤَدِّي لِعَينَيْكِ
مَفْرُوشَةٌ أَرْضُهُ بِالمَتَاعِبِ
يَعْرِفُ كُلُّ الوُشَاةِ بِأَنِّي مرَرَتُ بِهِ
حِينَما يَقْتَفُونَ خُطَايَ وَآثَارَ نَزفِي...
يُسَاوِرُنِي الشَّكُّ دَوْمًا بَمَا قَد يُصَادِفُنِي
لَو تَقَدَّمْتُ قَدْ لَا أَعُودُ
وَإِنْ عُدْتُ قَدْ لَا أَكُونُ أَنَا
رُبَّما عُدْتُ أَحْمِلُ حَتْفِي
رُبَّمَا لَا أُصَادِفُ مَنْ يَمْنَحُ العَاشِقِينَ
سَنَابِلَ قَمْح تُبَشِّرُ بالخَيْرِ
أَو وَرْدَةً تُوْقِظُ القَلْبَ
أَو نَخْلَةً أَسْتَظِلُّ بِهَا
أَو أَيَّ شَيءٍ يُطَمْئِنُنِي
كَيْ أُوَارِي عَنِ الهَارِبِينَ
مِنَ الخَوفِ خَوْفِي
كَمْ عَبَرْتُ الطَّرِيقَ المُؤَدِّي إِلَيكِ
وَكَمْ عُدتُ مِنْهُ
وَكمْ أَتْعَبَتْنِي المسَافَاتُ
كَمْ أَكَلَ الهَمُّ مِنْ خُبْزِ قَلْبِي
وَما قُلْتِ
يَكْفِي...
كَمْ عَبَرْتُ الطَّرِيقَ المُؤَدِّي إِلَيكِ
وَكَمْ عُدتُ مِنْهُ
وَلَمْ انْتَبِهْ ذَاتَ يَوْمٍ بِأَنَّكِ كُنْتِ
تَسِيرِيْنَ خَلْفِي
(3)
المَنَافِي...
المَنَافِي...
هِيَ الأُمْنِيَاتُ الَّتي
لَا تَجِيءُ بِأَرْضٍ نُبَادِلُهَا
الحُبَّ دَومًا
لِتَجْرَحَنَا....
وَالمَنَافِي بِنَا...
رُبَّمَا تخْتَفِي خَلْفَ
وَجْهِ الأَحِبَّةِ
أو رُبَّمَا تخْتَفِي
خَلْفَ وَجْهِ الطُّفُولَةِ
أَو رُبَّمَا تخْتَفِي
خَلْفَنَا...
والمَنَافِي الكبيرةُ
في دَاخِلَ الشُّعَرَاءِ
هِيَ امْرَأَةٌ لَا تَجِيءُ
معَ الوَقْتِ...
لَكِنَّهَا تَسْكُنُ
الكَلِماتِ لِتَسْكُنَنَا
المَنَافِي...
دُمُوعُ المَسَافَاتِ والبُعدِ
قَدْ تَقْتُلُ القَلْبَ
أو رُبَّمَا قَدْ تَصِيرُ لَهُ
وَطَنَا...
المَنَافِي...
تُعِدُّ الحُرُوبَ بِنَا
دُونَما حاجةٍ لِعَدُوٍّ
لِتَهْزِمَنَا...
المَنَافِي ...
كَمَا البَحْرِ تَأْخُذُنا عُنْوَةً
ثمَّ تَقْذِفُنَا للشَّواطئِ حِينًا
لِتَكْسِرَنَا.