ولدت شركسيّاً

• سميحة خريس
عضو هيئة تحرير مجلة أفكار

اختارت مجلة أفكار أن تكون للثقافة العربية كما الأردنية، وكنت أفكر بأنَّ جزءً أصيلاً صنع الثقافة الأردنية في عصر الدولة الحديثة، أساس قام عليه اجتماع الناس ومحبتهم، كما يقوم البنيان على لبنة قوية راسخة، ذلك هو مجتمع الشركس.
أجمعنا على احترامهم وتقديرهم لفرط ما يتحلّون به من إنسانية رفيعة وقيم نبيلة، أرقب اندماجهم الأصيل بالمجتمع، وعطاءهم الذي لا ينضب وانتماءهم الصادق الأمين، ثم أراقب اعتزازهم بملحمة الصمود التي قادتهم إلى الهجرة المبكرة إلى بلادنا، لا طعماً بأرض ومال، ولكن في سبيل حماية عقيدتهم وطلباً للأمان، فكانوا بعض هذا الأمان الذي تنعم به بلادي، وكثير من الجمال الذي نقلوه أينما حلوا وارتحلوا، شاركونا أفراحنا ومآسينا، وتماهوا مع المجتمع حتى صاروا من نسيجه، وفي الوقت نفسه حافظوا على فرادتهم وخصائصهم العالية وصفاتهم التي لا تكاد تختلف بين من يعرفهم، فهم: الشجعان الصادقون الأوفياء.
هذا هو مجتمع الشركس في الأردن الذي عرفناه جزءً أصيلاً منا، لا يمكن بأي حال من الأحوال تصنيفهم فئة مغايرة، فقد باتوا مواطنين متعالقين مع قضايانا وهمومنا، متأثرين بما يعرض لنا من تقلبات وأحوال، مشاركين أساسين في كل مصير يلم بالبلاد، وهم في ذات الوقت مشبعين بقيم العطاء والنبالة التي نشأوا عليها، قادرين على استعادة الفرح عبر حفاظهم على فنونهم وفلكلورهم البهي؛ لهذا كان الملف عن الشركس وقفة استعادة لتاريخهم وتضحياتهم ومعاناتهم، كما كان إطلالة على مساهماتهم الإبداعية والثقافية في الثقافة العربية.
عندما نقلت الفكرة إلى الأردنية المبدعة الفنانة التشكيلية أمال جلوقة، كانت تدرك أنَّها أمام تحد جمع مختلف الخصائص وهو تحدٍّ كبير، ولكنها أقدمت عليه بحب وحماسة، فكان هذا الملف الذي نعتز به في مجلة أفكار، ونحن نعرف أنَّنا مهما ذهبنا إلى التفاصيل فإنَّ هناك تفاصيل أخرى غابت عنا، ذلك أنَّ حياة الشركس أساساً ملحمة إنسانية كبيرة، وعطاؤهم جدُّ متسع ومتشعب يصعب الإلمام به، نعتبر ذلك الملف الصحفي المحدود تحية محبة لهم، فكما نحب بلادنا ويحبونها.. نقدرهم ونحبهم، ونشهد أنَّ انخراطهم في الانتماء إلى أرضهم الجديدة لم يقل أبدأً عن انتمائهم إلى بلاد جدودهم... فنغني معهم: الدم الشركسي بقدر ما هو حنونٌ بقدر ما هو عزيزٌ..