شخصيّات إعلاميّة الإعلامي سلامة محاسنة أوَّل مَن قدَّم برنامج البثّ المباشر الإذاعي

عامر الصمادي

إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني

 

 

يُعتبرُ الأستاذ سلامة علي محاسنة واحدًا من أوائل الإعلاميين الأردنيين الذين تركوا -وما ‏زالوا- بصمة واضحة في عالم الإعلام الإذاعي والتلفزيوني الأردني والعربي منذ فترة ‏طويلة، فقد بدأ العمل الإذاعي عام 1966 من خلال الإذاعة الأردنيّة، وما زال حتى ‏يومنا هذا ينبض بالعطاء من خلال تقديم بعض البرامج الإذاعيّة المميّزة عبر أثير إذاعة ‏مجمع اللغة العربيّة. وتنقَّل خلال هذه الفترة الزمنيّة المديدة بين وظائف ومنابر متنوِّعة ‏تصبُّ كلّها في بوتقة الإعلام.‏

وُلد الإعلامي سلامة محاسنة عام 1942 في قرية حرثا شمال الأردن، وحصل على ‏شهادة (المترك)؛ أي الثانوية العامة -بلغة اليوم- عام 1960، ثم تخرَّج في دار المعلمين ‏عام 1962 حاصلًا على شهادة الدبلوم، وهي الشهادة التي كانت تؤهل حاملها للتدريس ‏في المدارس الأردنية، وعُيِّن بعدها مباشرة معلّمًا في مدارس وزارة التربية والتعليم، ‏وتابع تعلُّمه بالانتساب لجامعة دمشق، فحصل على ليسانس الفلسفة عام 1966، ولعلَّ ‏هذا العام قد شكَّل نقطة تحوُّل كبيرة في حياته؛ إذ أعلنت الإذاعة الأردنية عن حاجتها ‏لتعيين عدد من المذيعين والمذيعات، فتقدَّم ما يزيد على خمسمئة شخص، وكالعادة في ‏ذلك الوقت تمَّ اختبار المتقدمين عدة مرّات باختبارات متنوِّعة، وفي كل اختبار كان يتمّ ‏استبعاد عدد من المتقدِّمين، فهنالك اختبارات الصوت واللغة والمعرفة بلغة أجنبية ‏ومخارج الحروف والثقافة العامة وغيرها، واستطاع سلامة محاسنة أن يكون الأوَّل على ‏جميع المتقدِّمين، ونجح معه يومها عدد من كبار الإعلاميين منهم: علي غرايبة وجبر ‏حجّات وسحوم المومني وإبراهيم الحوري وهدى السادات، رحمهم الله جميعًا، لكنَّ ‏المعضلة كانت في أنَّ معظمهم يعملون في وزارة التربية والتعليم؛ ممّا يمنع عملهم في ‏الإذاعة، إلا أنَّ الأستاذ نزار الرافعي مدير الإذاعة يومها طمأنهم بأنه سيخاطب رئيس ‏الوزراء لنقلهم من ملاك وزارة التربية إلى الإذاعة بدرجاتهم نفسها، وهكذا تمَّ تعيين هذه ‏الكوكبة من المعلمين والذين أصبحوا فيما بعد كبار الإعلاميين في الأردن.‏

بدأ محاسنة عمله مذيعًا ومنتجًا في الإذاعة بعد خضوعه لفترة من التدريب المُضني ‏والدَّورات التأهيليّة بكل جوانب العمل الإذاعي، وكانت العادة المتَّبعة وقتها أن يقضي ‏المذيع الجديد سنة كاملة مرافقًا للمذيعين الأقدم منه دون أن يُسمح له بنطق كلمة واحدة ‏على الهواء، وبعد التأكد من تشرُّبه لأساسيّات العمل الإذاعي يتمّ السماح له بقول جملة ‏واحدة وهي (هنا عمّان، إذاعة المملكة الأردنيّة الهاشميّة)، وبعد فترة يُسمح له بقراءة ‏الأخبار وتقديم البرامج. ومن هنا نرى مقدار العناية الكبيرة التي كانت تُقدَّم للمذيعين وليس ‏كما يحصل اليوم؛ إذْ يتمّ تقديم مذيعين ومذيعات جُدُد على الهواء دون تدريب أو عناية ‏باللغة ومخارج الحروف.‏

تدرَّج سلامة محاسنة في العمل الإذاعي فأصبح كبيرًا للمذيعين عام 1970 ثم مراقبًا ‏على برامج المنوّعات، إلى أن اقترح على مدير الإذاعة يومها الدكتور موسى الكيلاني -‏رحمه الله- عام 1974 تأسيس برنامج البث المباشر الذي ما زال يُبثّ إلى اليوم، وهو ‏برنامج خدمي يشتكي من خلاله المواطنون على أيّ جهة حكوميّة تقصِّر في تقديم ‏خدماتها لهم، ويقوم البرنامج بإيصال المشكلة للمسؤولين لحلّها، ممّا جعل هذا البرنامج ‏من أكثر البرامج متابعةً من الجمهور والمسؤولين الذين كانوا يحسبون له ألف حساب إذا ‏ما اشتكى مواطن من خدمات وزاراتهم أو مؤسساتهم، فقد كان الراحل الكبير الحسين بن ‏طلال يحرص على الاستماع إلى هذا البرنامج لمعرفة مواطن الخلل، وكثيرًا ما كان ‏يتصل هو شخصيًّا لحلّ بعض المشكلات التي تُعرض من خلال البرنامج، ويقول محاسنة ‏إنه تم تكليفه مع زميليه: الراحل علي غرايبة وجمان مجلي أطال الله في عمرها، والتي ‏كانت جديدة على العمل الإعلامي يومها، بإعداد وتقديم البرنامج الذي لقي صدى كبيرًا ‏في الشارع الأردني.‏

في العام نفسه تمَّت إعارة محاسنة للعمل في الإذاعة السعودية حيث مكث هناك حتى عام ‏‏1981 ثم عاد إلى الإذاعة الأردنية لتقديم برنامج البث المباشر لمدة عام، ثم تمّ تعيينه ‏مساعدًا لمدير عام دائرة الثقافة والفنون وكان يومها الشاعر الكبير حيدر محمود والذي ‏كلّفه بأن يكون مدير تحرير مجلة "أفكار"، هذه المجلة العريقة التي تأسست عام 1966، ‏وبقي سلامة مديرًا للتحرير حتى عام 1985، انتقل بعدها ليعمل مستشارًا لوزير الإعلام ‏حتى عام 1987.‏

انتقل بعدها ليعمل مديرًا لمكتب وكالة الأنباء الأردنية في العاصمة العُمانية مسقط، وبقي ‏حتى عام 1990 حيث عاد إلى الأردن بسبب التقاعد من العمل الحكومي، ويَروي ‏محاسنة أنَّ المدير العام للإذاعة والتلفزيون المهندس راضي الخص تمسَّك به على الرّغم ‏من إحالته إلى التقاعد، واصطحبه معه لمقابلة وزير الإعلام وقتها الراحل محمود ‏الشريف الذي وافق على إعادته للعمل في الإذاعة على نظام المكافأة، وبقي كذلك حتى ‏عام 1999، وخلال هذه الفترة كان قارئًا رئيسًا لنشرات الأخبار وأعدَّ وقدَّم برنامجًا ‏مدّته ساعة يُبثّ قبل نشرة الأخبار الثانية على الهواء مباشرة.‏

 

العمل التلفزيوني

لم يظهر سلامة محاسنة على شاشة التلفزيون كثيرًا خلال مسيرته الإعلاميّة، واقتصر ‏ذلك الظهور على قراءة بضع نشرات أخبار على شاشة التلفزيون الأردني في بعض ‏الحالات الطارئة، أو تقديم برنامج رسالة الأردن التلفزيوني عام 1987، إلا أنه بعد ‏تقاعده للمرَّة الثانية عام 1999، عمل مديرًا للبرامج في محطة تلفزيونية خاصة ظهرت ‏في الأردن عندما سُمح للمحطات الخاصة بالعمل وهي محطة (الصناعية الدولية ‏الفضائية) وقدَّم برنامجًا عبرها يتعلّق بالقضايا الساخنة في المحافظات الأردنية، وأسَّس ‏وأدار أكاديميّة التدريب والتطوير الإعلامي التابعة لهذه المحطة، كما أنه ساهم في ‏الصناعة والتعليق على الكثير من البرامج الوثائقية والتي بلغت مدتها حوالي ألف وسبعمئة ‏ساعة تلفزيونية، وكتب عمودًا أسبوعيًّا في صحيفتي "الرأي" و"الدستور"، وعمل رئيسًا ‏لقسم الثوابت في صحيفة "صوت الشعب" لمدة عامين، ورئيسًا لقسم التحقيقات الصحفية ‏في مجلة (الاقتصادية).‏

 

محطّات إذاعيّة أخرى

عمل محاسنة في إذاعة القوات المسلحة مدة تجاوزت سبعة عشر عامًا إلى أن تمَّ اختياره ‏للمشاركة في تأسيس إذاعة مجمع اللغة العربية، وما زال يعمل فيها بتقديم البرامج اليومية ‏والأسبوعية حتى الآن، وهو بذلك يكون الوحيد من الإعلاميين بهذه السنّ وما زال يعمل ‏بشكل يومي في الإعلام الأردني، وما زال -أطال الله في عمره- يتمتَّع بالشباب وبالشكل ‏التلفزيوني الذي يعتقد مَن يراه أنه في الخمسين من عمره، على الرّغم من أنه على حافة ‏الثمانين.‏

 

من ذكريات محاسنة

من ذكرياته في العمل الإذاعي تلك الأيام العصيبة في حرب عام 1967، أي بعد عام ‏واحد من بدء عمله في الإذاعة الأردنية، والتي عايشها بكل تفاصيلها مع زملائه ‏الإعلاميين الإذاعيين -لم يكن التلفزيون الأردني قد تأسّسس بعد- وبالتالي كان عبء ‏الإعلام يقع على عاتق الإذاعة، كما يَروي أيضًا ذكريات معركة الكرامة عام 1968 ‏حيث كان هو المذيع المُناوب، وقرأ جميع بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة باستثناء ‏البيان الأوَّل الذي قرأه يومها زميله محمد المحتسب.‏

ومن ذكرياته الإذاعيّة التي لن ينساها -كما يقول- يوم وفاة الراحل الكبير الحسين بن ‏طلال -طيّب الله ثراه- وكان يقدِّم برنامج "البث المباشر" فقام بقطع الاتصالات التقليدية ‏التي يشكو من خلالها المواطنون نقص الخدمات وغيرها، وحوَّل جميع فقرات البرنامج ‏للحديث عن الراحل الكبير، فقام بالاتصال بسفراء الأردن في الخارج وبرجال الدولة ‏والسياسيين وكبار الإعلاميين في العالم والأردن، وبقي على هذه الحال مدة أربعين يومًا ‏وهي فترة الحداد العام الذي أُعلن في البلاد، وتجاوزت مدة هذه الاتصالات أربعين ساعة ‏إذاعيّة.‏

ويَروي كذلك قصة المفاجأة التي حصلت له على الهواء مباشرة ذات يوم وفي البرنامج ‏نفسه، عندما اتصلت به مواطنة تشكو من عدم وجود سرير طبّي في المستشفى الذي ‏يُعالَج به شقيقها يناسب حالته المرضيّة، وكانت تبكي بحرقة ووعدها خيرًا، لكنه فوجئ ‏بعد لحظات باتصال من جلالة الملك عبدالله الثاني على الهواء مباشرة يطلب منه تزويده ‏بهاتف السيدة المتصلة، وأمر جلالته المدير المالي في الديوان الملكي باصطحاب السيدة ‏إلى مركز بيع المعدّات الطبيّة، وتمَّ شراء السرير وإهداؤه للمستشفى في اليوم نفسه.‏

 

رُؤى إعلاميّة

بعد هذه الرحلة الطويلة في مجال الإعلام يعتقد الأستاذ سلامة محاسنة أنَّ على الأهل ‏والمربين في المدارس الالتفات إلى ميول ومواهب الأطفال الصغار نحو العمل الإعلامي ‏لتنميتها والعناية بها، ويتذكَّر كيف كان في صغره عندما تقيم مدرسته أيّ نشاط لها ‏يشارك به من خلال تقديم نشرات أخبار طريفة يقلّد من خلالها بعض المذيعين ‏المعروفين؛ ممّا شكّل له دافعًا قويًّا للاستمرار في هذا المجال وصولًا إلى احترافه. ‏

وفيما يتعلق بصوت المذيع وسبب رسوخه لدى المستمعين وتذكُّرهم له على الرغم من ‏مرورالزمن، يعزو محاسنة هذا الأمر إلى الموهبة أوّلًا، لكنه في الوقت نفسه يرى أنَّ ‏الأهمّ هو التدريب الجيِّد على نطق الحروف بشكل سليم، وإتقان فنون الإلقاء المتنوِّعة ‏إضافة إلى اللغة السليمة الخالية من الأخطاء. ويروي كيف أنَّ زملاءه الذين سبقوه -في ‏هذه المهنة- كانوا يبذلون جهدًا كبيرًا في تدريب الجُدُد على نبرات الصوت الخاصة بكل ‏موضوع، فقراءة نشرات الأخبار تختلف عن البرامج الثقافية أو برامج المنوّعات.‏

عندما يقارن الأستاذ سلامة محاسنة جيله من الإعلاميين بجيل هذه الأيام يتنهَّد قائلًا إنه ‏يتمنى عليهم الخضوع للمزيد من التدريب والعناية باللغة العربية التي لا يتقنها كثيرون ‏منهم، بل إنَّ بعضهم لا يستطيع أن يتحدَّث بلغة سليمة لعدة دقائق، على الرّغم من أنَّ ‏معظمهم يحملون شهادات في الإعلام، إلا أنَّ ذلك وحده غير كافٍ، ويرى أنَّ إتقان ‏التعامل مع التكنولوجيا الحديثة يبقى ناقصًا إذا لم يصاحبه شخصيّة إعلاميّة تمتلك ‏الصفات الأساسيّة للإعلامي، وأهم شيء أن يعْلَم الجيل الجديد أنَّ الإنسان، وخاصة ‏الإعلامي، يبقى يتعلّم طوال حياته ولا يتوقف عن التعلُّم إلا عند وفاته كي يحظى باحترام ‏متابعيه.‏

ما زال سلامة محاسنة ينبض بالعطاء ويقدِّم برامجه الإذاعيّة عبر الإذاعات المحليّة، ‏ويُبدي استعداده لمساعدة الجيل الجديد من الإعلاميين وتقديم خلاصة خبراته لهم.‏