في ظلِّ مئويّة الدولة الأردنيّة:‏ حضورٌ مُتنامٍ للمرأة في المسرح

 

مجدي التل

ناقد/ باحث مسرحي وصحافي أردني

 

بدأت بواكير حضور المرأة في المسرح الأردني في ستينات القرن الماضي حيث شكّلت خشبة ‏المسرح منصّة لإطلاق رسائل اجتماعيّة ووطنيّة وإنسانيّة، ومع توالي عقود سبعينات وثمانينات ‏وتسعينات القرن الماضي وصولًا للألفيّة بدأ حضور المرأة في المسرح يتبلور أكثر فأكثر عبر ‏أدوار تكميليّة للمتطلّبات الدراميّة، وصولًا لحضور قويّ يجسِّد قضايا النساء وهواجسهنّ، ومن ‏ثم انتقل إلى مرحلة تُبرز دور المرأة في القضايا الوطنيّة والشأن العام، وتمثَّل ذلك بوصفها كاتبة ‏أو مخرجة أو ممثلة أو في مجال تمكُّنها من التقنيات الحديثة والمساعِدة للمشهديّة المسرحيّة.‏

لم يكن للمرأة منذ نشأة المسرح الأولى عند الإغريق القدماء، وتحوُّله من طقوس وشعائر دينيّة ‏إلى فنّ مسرحي، أيّ حضور فعلي مجسَّد بوصفها ممثِّلة أو حتى كاتبة؛ وذلك لطبيعة التركيبة ‏الاجتماعية الطبقية للمجتمع الإغريقي القديم، إذْ لم تكن المرأة تحظى لديهم بذي شأن أو مرتبة ‏عُليا تمكِّنها من تقدُّم الصُّفوف والانخراط أو المشاركة في قضايا الشأن العام، واقتصر المسرح ‏حينها على الرجل، حتى مع ما قدَّمه أحد أوائل كُتّاب المسرح في العالم، الإغريقي أسخيلوس، في ‏مسرحيّته "الضارعات"، فعلى الرغم من حضور المرأة في نصّ تلك المسرحية وموضوعها إلّا ‏أنَّ مَن أدّى الأدوار في تلك الحقبة الزمنيّة هم الرجال. ‏

وعلى امتداد العصور القديمة، منذ ما قبل المسيحية في عهد الرومان، بقي حضور المرأة في ‏المسرح يراوح رهينًا للظروف الاجتماعية والسياسية والمعتقدات الدينية والأخلاقية، وصولًا ‏للقرن الميلادي العاشر إذْ حضرت المرأة كمؤلفة، ثم بعد غياب عادت مرَّة أخرى مؤلفة في ‏القرن السادس عشر. ومن خلال تتبُّع تاريخ المسرح نجد أنَّ مشاركة المرأة في الفن المسرحي ‏تراوحت بين الحضور الفعلي والمشاركة الحقيقية، وبين الإقصاء والتحريم والحظر.‏

ولهذا كان الاعتراف بالدور الذي لعبته المرأة في تاريخ المسرح العالمي ضئيلًا للغاية، إذا ما ‏قورن بالجهد والنشاط الذي بذلته على مستوى الأداء المسرحي والتأليف، إذْ انعكست الظواهر ‏الاجتماعية والتاريخية السلبية على المرأة في مجال المسرح، حيث عملت الظروف الاجتماعية ‏السياسية والنفسية ضدّ حرية التعبير لدى المرأة، وأدَّت إلى غيابها الحقيقي والفعلي عن المسرح ‏نتيجةً للسياق المجتمعي التاريخي الذي تعيش فيه.‏

ولم يدوِّن التاريخ لقب أوَّل امرأة كاتبة مسرح حتى القرن العاشر، إلى أن جاءت الكاتبة الألمانية ‏‏"هروتسفيثا دي جانديرشيم"، والتي يبدو أنها الشخصية الوحيدة التي كتبت باللغة اللاتينية قطعًا ‏مسرحيّة منذ نهاية الدراما اللاتينية عام 65 ميلادية وحتي بدايات القرن الثاني عشر، وتُعتبر ‏أوَّل شخصية نسائية، منذ العصور القديمة، تقوم بتأليف أعمال مسرحية بهذه اللغة. ولفترة ‏استمرَّت نحو 600 عام لم تظهر أيّ نصوص لكاتبات مسرح أُخريات إلى أن ظهر في القرن ‏السادس عشر بإيطاليا العمل المسرحي "كوميديا الارتجال/‏commedia del ‎Varteall'improvizzo‏" والذي أعطى المرأة الفرصة للتعبير عن نفسها على خشبة المسرح، ‏فيما رُصد أنَّ أولى مَن مارسن الكتابة المسرحيّة عربيًّا هما المصريّة عائشة التيمورية (1840-‏‏1902)، واللبنانيّة زينت فواز (1846- 1914) لاسيّما عملها المعنون "الهوى والوفاء" ‏والمنشور عام 1892.‏

والمرأة العربية شأنها شأن شقيقاتها من النساء في العالم، فلم يكن لها حضور ووجود فعليّ في ‏المسرح الذي نشأ متأخرًا في ساحة المجتمعات العربيّة، فتأخر ظهوره حتى النصف الثاني من ‏القرن التاسع عشر وعلى نطاق محدود جدًا أو في الظلّ غالبًا بحسب عدد من الباحثين، إذْ إنَّ ‏عمل المرأة في المسرح لم يكن تحدّيًا للمجتمع وحسب، بل كان تحدّيًا للذات والتقاليد بحيث أنَّ ‏اسم الممثلة لم يكُن يُعلن في برامج العرض ولا في الإعلانات.‏

ارتبطت العلاقة التاريخيّة للمرأة العربيّة مع فنّ المسرح بشكل مباشر مع الحداثة، والتي بُنيت ‏على تفكيك مفاهيم المجتمع القديمة وعرض رؤية مُغايرة تجعل من المرأة العربيّة بصورتها ‏المتجدِّدة وجودًا محتملًا يتيح إمكان تحرر المرأة التنويري في المجتمع العربي‎.‎

ومن هنا كانت الانطلاقة مع "أبوخليل القباني" الذي استعان في إحدى مراحل تجربته الدمشقية ‏بفتاتين لتقوما بالأدوار النسائيّة، ولم يطل الوقت حينها حتى ارتفع صوت رجل الدين آنذاك ‏معترضًا، ممّا اضطرّ القباني لإغلاق مسرحه والهجرة إلى مصر، ومثلها واجه يعقوب صنوع ‏في مصر. لكن، ومع انتهاء القرن التاسع عشر كان مثقفون عرب قد تبنّوا قضيّة تحرُّر المرأة ‏في سياق مشروعهم الإصلاحي الاجتماعي والثقافي والسياسي، من أمثال قاسم أمين وفرح ‏أنطون وأحمد لطفي السيد وغيرهم، ممّا أدّى إلى انفراجات امتدّت بضع سنوات، وإن كانت ‏بدايتها محدودة. ‏

أمّا أردنيًّا؛ فقد أشارت مصادر عديدة لوجود مبكِّر للمسرح منذ مطلع القرن العشرين، وعلى ‏الرغم من ذلك إلا أنَّ المسرح في تلك الحقبة الزمنيّة كان يسير بخطى بطيئة قياسًا مع بلاد ‏عربية أخرى، إذ إنَّ بعضها عرف المسرح منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومنها سوريا ولبنان ‏ومصر. ‏

شهدت تلك الحقبة في الأردن -مطلع القرن العشرين- كُتابًا كَتبوا للمسرح، ثم بدأت حركة ‏المسرح كفعل من خلال المدارس والكنائس. وتعود الإشارات الأولى لعمل تمثيلي مدوَّن إلى العام ‏‏1918، وقبل ذلك أنشئت أوَّل جمعيّة في الأردن تُعنى بالمسرح وشؤونه عام 1914 وسمِّيت ‏‏"جمعية الناشئة الكاثوليكية العربية" لمؤسسها ورائدها الأب أنطون الحيحي وقدَّمت في مدارس ‏مدينة مادبا مسرحيات منها "هاملت" وغيرها من الأعمال، كما قدَّم كل من محمد المحيسن وفؤاد ‏الخطيب عددًا من المسرحيات ومنها "الأسير" و"فتح الأندلس".‏

ازدهرت الأعمال المسرحية في الأردن على يد روكس بن زائد العزيزي الذي قدَّم الكثير من ‏الأعمال المسرحيّة منها "السموأل" عام 1923، و"الرشيد والبرامكة" و"صلاح الدين الأيوبي"؛ ‏عام 1924، وقُدِّمت عروض مسرحية في عمّان والسلط وعجلون منذ عام 1927، ليتبع ذلك -‏مع تأسيس المدارس وانتشارها- عروض المسرح المدرسي التي شكّلت أولى أنوية الحراك ‏المسرحي.‏

وفي سياق هذا المخاض المسرحي الأردني لم يُرصد حضورٌ فعليٌّ ذو سيرورة دائمة للمرأة في ‏المسرح الأردني في تلك المرحلة، وتأخرت المشاركة النسوية الفعلية في الفن المسرحي في ‏الظهور على الساحة الأردنيّة وللأسباب الاجتماعية ذاتها، ولأسباب تتعلق بـ"تابوهات" لم تختلف ‏كثيرًا عن التجارب العربية، إذْ كان أوّل ظهور على المسرح الأردني للفنانة رفعت النجار عام ‏‏1962 ومن ثم مارجو ملاتجليان 1963 وليلى الصفدي عام 1964 وقمر الصفدي وناديا ‏أبوطه وسهى مناع وناديا حبيب وجوزفين بقيلي ونازك بيطار وليلى نفاع وميمي خوري ‏وعطاف عواد وليلى حنانيا وليلى الصغيرة وابتسام الصغيرة ‏‎1966‎‏ ومنى مهيار ونادرة العبوة ‏‏1968 بحيث ترافقت المشاركة الأخيرة مع تأسيس "أسرة المسرح الأردني"، ووجود الحاضنة ‏الثقافية والعلمية آنذاك وهي الجامعة الأردنيّة، التي يشير إليها الفنان والباحث عبد اللطيف شما ‏بأنَّ "تأسيس الجامعة الأردنيّة في أوائل ستينات القرن الماضي منارة إشعاع ثقافي كان له دور ‏أساسي في استقطاب الفتيات المثقفات إلى المسرح"(ناجي، 2012، ص 56)، والتي مثلت ‏الانطلاقة الحقيقية للمرأة في المسرح الأردني.‏

أمّا مرحلة التأسيس الحقيقي للمسرح الأردني فكانت ما بين الأعوام 1960 و1969؛ إذْ اتَّصفت ‏هذه المرحلة بالأكاديمية وكانت انطلاقاتها من مديرية رعاية الثقافة التابعة لوزارة الإعلام حينها، ‏وتزامنت مع إيجاد قسم المسرح ثم الحراك المسرحي في الجامعة الأردنيّة، فيما شهدت مرحلة ‏السبعينات اتِّساع في مشاركة المرأة الأردنيّة في المسرح وبرزت أسماء نسائية عديدة في تلك ‏المرحلة منها سميرة خوري وقمر الصفدي وأسماء خوري ودينا الصفدي وسوسن شمالي ومجد ‏القصص وحنان خالد وريم سعادة وغيرهن. ‏

عُقدت أوَّل ندوة للمهتمّين بالمسرح في الأردن عام 1978، لتتوالى المشاركات النسائية في ‏ثمانينات القرن الماضي بتأثير تراكم العقدين السابقين ومخرجات "أسرة المسرح الأردني" ‏والجامعتين الأردنيّة واليرموك، وليتَّسع الفضاء المسرحي وينطلق مهرجان المسرح الأردني في ‏دورته الأولى عام 1991، وبعدها تتوالى وتتعدَّد المهرجانات المسرحيّة والمشاركة النسائيّة. ‏

ومنذ تشكيل "أسرة المسرح الأردني" أصبحت مشاركة المرأة الأردنيّة في الفعل المسرحي حالة ‏دائمة، حتى وقتنا الحاضر، فقد ساعد في ترسيخها؛ انطلاقتها من أحضان مؤسسة تعليمية ممّا ‏خلّص المرأة من العديد من التابوهات التي كانت تعيق مشاركتها الحقيقية في المسرح، بل إنَّ ‏العديد من الأسماء النسوية التي انطلقت من مسرح الجامعة الأردنيّة لا زالت حاضرة حتى يومنا ‏هذا وتشكِّل رموزًا للحركة المسرحية الأردنيّة (عدنان مشاقبة، مجلة دراسات، 2016، ص ‏‏19و20).‏

ومثَّلَ تشكُّل أسرتَيْ المسرح الجامعي 1963 والمسرح الأردني 1964، النواة الصلبة الأولى ‏للحركة المسرحية، بل لحركة التمثيل الإذاعي والتلفزيوني والمسرحي في الأردن، وكان من ‏أعضاء هاتين الأسرتين الفنانين الروّاد أمثال نبيل المشيني، وأديب الحافظ، ومارغو ملاتجليان ‏ورشيدة الدجاني وغيرهم.‏

ومع توالي عقود سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي وصولًا للألفيّة بدأ حضور المرأة ‏في المسرح يتبلور أكثر فأكثر عبر أدوار تكميليّة للمتطلّبات الدراميّة وصولًا لحضور قويّ يجسِّد ‏قضايا النساء وهواجسهنّ، ومن ثم انتقل إلى مرحلة تُبرز دور المرأة في القضايا الوطنية والشأن ‏العام، وتمثَّل ذلك بوصفها كاتبة أو مخرجة أو ممثلة أو في مجال تمكُّنها من التقنيات الحديثة ‏والمساعدة للمشهديّة المسرحيّة، ممّا ساهم في نقل قضايا النساء وأفكارهن إلى خشبة المسرح. ‏

ولعلَّ ديناميكية حضور المرأة في المسرح الأردني بدأت بواكيرها في ستينيات القرن الماضي –‏كما أشرنا سابقًا- حيث شكلت خشبة المسرح منصة لإطلاق رسائل اجتماعية ووطنية وإنسانية ‏وحين تم استقطاب الفتاة الأردنيّة للصعود إلى الخشبة في تنويعة شملت النص المحلي والعربي ‏والعالمي، وحين مثَّلت الجامعة الأردنيّة وبعدها بسنوات "اليرموك" روافع لتكريس حضور الفتاة ‏الأردنيّة في المسرح الأردني.‏

ويشير الفنان عبداللطيف شما في كتابه "الجهود النسوية المسرحية" إلى أنَّ مسيرة المرأة في ‏المسرح الأردني خلال حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تمخَّضت عن نحو 69 ‏مشاركة سواء من أسرة المسرح الأردني أو القطاع الخاص أو مسرح الجامعة الأردنيّة الحاضن ‏الرّئيس للجهود المسرحية الاحترافية في بداية التأسيس لمسرح أردني، فيما بلغ عدد المشاركات ‏في الفعل المسرحي 71 مشاركة على مستوى المسرح الرسمي التابع لدائرة الثقافة والفنون ‏وجامعتي الأردنيّة واليرموك بالتزامن مع تأسيس قسم الفنون في اليرموك، فيما بلغ في تسعينات ‏القرن الماضي عدد الممارسات للفعل المسرحي 84 فنانة. ‏

‏ ‏

أشكال حضور المرأة وتوجُّهاتها في المسرح الأردني

منذ أكثر من خمسين عامًا اتَّخذ حضور المرأة في المسرح الأردني عدة أشكال أوَّلها وأبرزها ‏التمثيل وأداء الأدوار الدراميّة التقليديّة المكمّلة لمتطلّبات موضوع العرض المسرحي ونصّه أسوة ‏بالمسرح العالمي والعربي في بداياتهما، في سيرورة تواصلت منذ ستينات القرن الماضي إلى ‏ثمانيناته، وباستثناءات قليلة ظهرت بشكل كبير في مسرح الطفل؛ إذْ كانت الفنانة الراحلة مارغو ‏ملاتجليان من الرائدات بكتابة وإعداد وإخراج عروض مسرحية للأطفال إلى جانب مشاركتها ‏كممثلة، وذلك في بداية سبعينات القرن الماضي، وكانت تعرض في المدارس لاسيما الخاصة ‏منها ومسرح المركز الثقافي البريطاني بعمّان.‏

وفي منتصف سبعينات القرن الماضي، ومع الاهتمام المتزايد بالتعليم وانتشار المدارس واهتمام ‏وزارة التربية والتعليم بالمسرح كأسلوب تربوي وتعليمي، وارتفاع نسبة التعليم المتوسط ‏‏(خريجات معاهد المعلمات) والجامعي لدى القطاع النسائي الأردني وانخراطهن في مهنة التعليم، ‏أسهم ذلك كله بقيام العديد منهن بتقديم مسرح مدرسي، وبالتالي توسيع شريحة الاهتمام بهذا الفن ‏لدى المرأة والطالبة والجهات التعليمية على حد سواء، ممّا نتج عنه انتقال هذه التجارب إلى آفاق ‏خارج الإطار التعليمي المدرسي ومنها تجربتي سميرة خوري وأمينة بازوقة، وساهم في هذه ‏النهضة المسرحية تأسيس أول قسم أكاديمي للفنون يمنح الدرجة الجامعيّة في الأردن بجامعة ‏اليرموك في ثمانينات القرن الماضي، بالإضافة إلى إنشاء مركز تدريب الفنون التابع لدائرة ‏الثقافة والفنون آنذاك والذي كان يعقد دورات في فن التمثيل المسرحي، علاوة على توافد ‏الأردنيات خريجات المعاهد والكليات من خارج الأردن واللاتي بدأن بالعودة إليه مسلّحات ‏بالتحصيل الأكاديمي في فنون المسرح والدراما بشكل خاص والآداب عمومًا في النصف الثاني ‏من عقد سبعينات القرن الماضي.‏

ولعله من الضروري الإشارة هنا إلى دور كلية الفنون في جامعة "اليرموك" والتي شكلت منذ ‏تأسيسها أحد الروافد الرئيسة والمحفزة للمشهد المسرحي وخصوصًا من الحضور النسائي، ‏علاوة على كلية الآداب وغيرها، بالإضافة لحماسة دائرة النشاط الطلابي في الجامعة على ‏صعيد الاهتمام بالعروض المسرحية فيها لاسيما في عقد الثمانينات من القرن الماضي وتأسيس ‏المركز الثقافي الملكي. في تلك المرحلة قدمت "اليرموك" عددًا من الوجوه النسائية المسرحية من ‏خلال عروض مسرحية أطلقتها الجامعة آنذاك، ولا زال العديد من صاحبات هذه التجارب ‏النسائية المسرحية فاعلات وحاضرات بقوة على الساحة الأردنية المسرحية خصوصًا والثقافية ‏عمومًا، ومنهن لينا التل وزين غنما، وهناء قصاص وسهير عماري وخلود طوطح وفخر عبنده ‏وثروت برقاوي وغيرهن، الا أنَّ نسبة كبيرة من خريجات فنون اليرموك في مرحلة الثمانينات ‏لم يعملن في المسرح وإنَّما اتَّجهن إلى التعليم المدرسي وذلك لأسباب عديدة تحتاج إلى بحث آخر.‏

فيما شهد عقد التسعينات، انتشار فرق مسرحية قدَّمت العديد من العروض المسرحية التي أسهمت ‏بمشاركة واسعة للمرأة فيها وانتشار الحضور النسائي في المسرح، وتعزَّز ذلك مع بداية الألفية ‏التي فيها أعيد الاهتمام بالمسرح الجامعي ومسرح الشباب ومسرح الطفل علاوة على مسرح ‏الكبار، وظهر العديد من المهرجانات التي تعنى بالمسرح؛ مما أسهم بتعزيز حضور التجربة ‏النسائية في المسرح والتوسُّع في الكشف عن وجوه أخرى وإظهارها وانتشارها خصوصًا ‏بالتساوق مع التحوُّلات الاجتماعية الثقافية التي شهدها الأردن والتي تجاوزت العديد من ‏‏"التابوهات" حول عمل المرأة في المسرح بشكل خاص أو الدراما بشكل عام.‏

وشهد حضور المرأة الأردنيّة كـ"ممثلة" مراحل عديدة، إذْ أنها شاركت، كما أسلفت، في البدايات ‏كممثلة في الأدوار الدرامية التقليدية والمكمّلة للمتطلب الدرامي، ثم مع التطوُّرات والتحوُّلات ‏والسياقات التي لحقت بالمجتمع الأردني على مختلف الصعد التعليمية والثقافية وخصوصًا ‏المجتمعية (الاجتماعية والحريات) توجَّهت المرأة الأردنيّة ضمن تلك السياقات إلى تقديم أدوار ‏تمثيلية على خشبة المسرح قدَّمت من خلالها أعمالًا طليعيّة تتناول قضايا الشأن العام وبوصفها ‏إمرأة منخرطة فيه علاوة على تقديمها شخصيات تتناول قضايا المرأة وحريّاتها من منظور ‏نسوي بوصفها إحدى قضايا المجتمعات العربية الرئيسة التي ما زالت المرأة تناضل فيها ‏لاكتساب حقوق توازي وتكافئ الحقوق التي يتمتع بها الرجل بعيدًا عن التهميش والإقصاء. ‏

أمّا على صعيد حضور المرأة في الإخراج المسرحي فقد اتخذ عدة أشكال وصور وتوجُّهات ‏ارتكزت في البداية على المسرح المدرسي ومسرح الطفل واتخذت منه مدخلًا وتوجُّهًا ابتدائيًّا ‏للمرأة، ومن أبرز الرائدات في هذا المجال في حقبة السبعينات والثمانينات مارغو ملاتجليان ‏وجولييت عواد وفيسنا مشارقة، ومنهن مَن قامت بإعداد نصوص عالمية أو عربية للعروض ‏التي تم تقديمها. وأسهم انطلاق المهرجانات التي تعنى بمسرح الطفل في فتح آفاق واسعة للمرأة ‏الأردنيّة بأن تعمل على إعداد نصوص عالمية أو تكتب نصها المحلي وتقوم بإخراج عروض ‏مسرحية للأطفال، بالإضافة للمشاركة بالتمثيل، لتتسع الدائرة بعد ذلك من خلال هذين الأفقين؛ ‏المسرح المدرسي ومسرح الطفل، للمشاركة الواسعة للمرأة الأردنيّة من خلالهما ممثلة وكاتبة ‏ومخرجة ومصممة أزياء وديكور وغيره.‏

ومن ثم انتقل حضور المرأة كمخرجة إلى توجُّه آخر بدأت من خلاله تقدِّم أعمالًا للكبار تتناول ‏نصوص عالمية أو قضايا عامة يقترب ممّا يُطلق عليه "مسرح المرأة" حيث الحضور النسائي ‏المكثف، وتبلور هذا التوجُّه في تسعينات القرن الماضي وسنوات الألفية، ومنها انتقلت المرأة إلى ‏توجُّهين آخرين؛ إذ بدأت تقدِّم أعمالًا تتناول المرأة كمحور للقضية ودورها الطليعي، والآخر ‏تقدِّم فيه أعمالًا تتعلق بقضايا المرأة؛ مقتربًا من المسرح النسوي، ومن الأسماء التي برزت ‏في هذا التوجُّه من الحضور الفنانات الدكتورة مجد القصص وسوسن دروزة ولينا التل.‏

وفي مجال الكتابة للمسرح تأخر حضور المرأة الأردنيّة فيه عن مشاركتها كممثلة ومخرجة، إلا ‏أنه بدأ يسير بخطى ثابتة نحو ولوجها هذا الميدان في السنوات الأخيرة، وكانت البدايات كذلك ‏انطلاقا من الكتابة لمسرح الطفل، ومن أبرز الأسماء اللاتي شكّلن ريادة وعلامات بارزة في هذا ‏المجال ومعظمهن جئن من خلفيّتهن الأدبية ككاتبات نذكر ناديا أبوطه ووفاء القسوس وروضة ‏الهدهد والدكتورة نهلة الجمزاوي وليلى الأطرش وهيا صالح وأروى أبوطير وغيرهن، بالإضافة ‏إلى عدد من الفنانات الرائدات في الإخراج للمسرح المدرسي ومسرح الطفل.‏

ومع زيادة الاهتمام بالمسرح وتوسُّع رقعة النشاطات والفعاليات المسرحية برز حضور المرأة ‏الأردنيّة ككاتبة في المسرح وتطرَّقت -من خلال نصوصها الإبداعية- لقضايا عامة وقضايا ‏المرأة، ومن أبرز أسماء اللاتي دخلن هذا المضمار الدكتورة هند أبوالشعر والدكتورة ميسون حنا ‏وسميحة خريس وليلى الأطرش وبسمة النسور والدكتورة نوال العلي ومنيرة شريح وسوسن ‏دروزة وغيرهن، علاوة على دور العديد من الفنانات الأردنيات في توليف أو تكييف أو إعداد ‏نص سردي وتحويله لنص عرض مسرحي (معالجة دراماتورغية).‏

وعلى صعيد حضور المرأة الأردنيّة فيما يطلق عليه بفنون مكمّلات العرض المسرحي أو مهام ‏مساعدة وفنية وتقنية تتعلق بسينوغرافيا العرض ومنها الديكور والأزياء، وتصميم وأداء حركي ‏وراقص، ومؤثرات صوتية، وموسيقى وعزف وغناء، وإدارة خشبة، فإنّ المرأة الأردنية لم ‏تقتحم هذا المجال إلا مع بداية عقد الثمانينات ومن ثم التسعينات من القرن الماضي، وكانت من ‏أبرز الأسماء التي حظيت بالريادة في هذا المجال سهير عماري وخلود طوطح وهالا الصعوب ‏وبشرى حاجو وابتسام المناصير وهالة الشهاب ورانيا قمحاوي.‏

أمّا حقل الكتابة في النقد والدراسات في المسرح الأردني، والذي يعاني أصلًا من ضعف ‏ومعيقات، فما زالت الخطوات محدودة فيه لجانب حضور المرأة الأردنيّة لاعتبارات عديدة تتعلق ‏معظمها بالحركة الفنية الدرامية بمجملها سواء أكانت مسرح أو تلفزيون أو سينما، علاوة على ‏واقع الحركة النقدية، ولربما جاء تأسيس "منتدى النقد الدرامي" عام 2012 في عمّان ليسهم في ‏إرساء أسس للحراك النقدي الدرامي وتكريسها، إلا أنه ما زال يعاني من الكثير من المعيقات ‏والصعوبات في تكريس الهدف والغايات التي أنشئ من أجلها ومن أبرزها تكريس حالة ‏الدراسات النظرية في مختلف صنوف الدراما عمومًا والمسرح بوجه خاص.‏

ولعلَّ أبرز مَن دخل مضمار الكتابة والإصدارات البحثيّة والدراسات من النساء الأردنيات ‏المعنيات في الحركة المسرحية؛ القادمة من خلفيّة فنيّة الدكتورة مجد القصص، ومن خلفية أدبية ‏الدكتورة صبحة علقم، إلا أنَّ ما صدر من كتب ودراسات وبحوث للعديد من الباحثات في هذا ‏الشأن بقي مقيّدًا في أطر محدَّدة، ولم يقترب كثيرًا من النقد الفني المسرحي بمفهومه المنهجي ‏الأشمل، وعدا ذلك من دراسات أخرى فلا تعدو كونها بضعة أبحاث ودراسات محدودة الانتشار ‏لأغراض أكاديمية بحتة.‏