الشركس في التاريخ والأدب والفن.

 إعداد وتلخيص: آمال جلّوقة


• إضاءات حول التاريخ الشركسي

من أين نبدأ بسرد التاريخ الشركسيّ؟ شعوبٌ يبدأ تاريخها مع بدء التاريخ البشريّ، متطورة مع التطوّر التاريخيّ للإنسان، بمنطقة جغرافية، وجدت ما بين الحضارات القديمة، حضارات الشرق والغرب والجنوب، ومنذ أن بدأ الإنسان بالتحضر وإنشاء الإمبراطوريات العظمى، أجبر شعبها بالتخلي عن الأرض، شعبٌ حمل السلاح على مدى العصور فلم يبنِ قصرًا لمجده، بل كان مجدُه السيف، تواق للحريّة، همُّه الأول أن يعيش بسلام في وطنه، قرّر الكبار سلبه الحق والتصرف بالأرض.
سأبدأ سردي بالوثيقة التي بعث بها المجلس الأعلى للشراكسة إلى أمم العالم، بعد أن استُبعدوا عن وثيقة (أدرنة). فقد تكالبت الأمم على هذا الشعب وسلبته العيش على ترابه. كانت المعركة الأخيرة في 21 أيار مايو 1864 إذ انتصرت روسيا القيصريّة على الشعب الشركسي، قرب مدينة "سوتشي" المطلّة على البحر الأسود، وهو ما يحاول الروسُ أن يطمسوا تاريخ تلك المذبحة، فأقاموا مدينة الألعاب الأولمبيّة على تلك البقعة من الأرض. وهو ذكرى يوم الحداد لجميع شراكسة العالم بكل بقاع الأرض بقولهم (لم ننسَ ولن ننسى) اتّخذ الروسُ قرارًا بتخيير الشعب الشركسي لترك أرضه إلى أراضي الشمال القاحلة، أو إلى الأراضي التركية.
فبعث الشراكسة سائلين مفتي مكة والشام ومصر يسألون رأي الدين. وتدخل الأتراك وشجعوا الشراكسة للهجرة إلى تركيا لأسباب عدة تصبُّ في مصلحتهم، وكان ذلك بالاتفاق مع الروس؛ ولرغبتهم في كسب محاربين جدد لصفهم؛ فكان خيارهم مجبرين بالهجرة لأرض الإسلام، أملًا بالرجوع إلى وطنهم لاحقًا.


• تاريخ الأديغة (الشراكسة)
تشيرُ الأدلةُ إلى وجود حضارة مستقرة شمال غرب "القفقاس" نواتها (الكاسوخ) و(الميئون) و(النارت). ويؤكّد المؤرخون أنَّ شعوب شمال "القفقاس" قد شاركت في أولى الحضارات البشريّة، حيث تواجدت منذ العصور الحجرية القديمة والوسطى (الإنسان العاقل) ومجموعة الصيادين الفنانين المهرة، وفي العصر الحجري الحديث (9000 إلى 8000 ق.م.) وهو الذي طوّر الزراعة وتربية الحيوانات وتدجينها وبناء البيوت السكنية، وظهر لديه الفكر الديني وعبادة الأم الكبرى (إلهة العطاء) وطوّر الصناعات الحجريّة والفخاريّة والطينيّة والإبر العظمية للخياطة.
إنَّ حضارة "قفقاسيا" الشمالية بدأت تتشكل ما بين (4000 إلى 2000 ق.م.) على النحو التالي:
- حضارة مايكوب (3700 إلى 3000 ق.م.) العصر البرونزي المبكر. أُطلق هذا الاسم نسبة إلى مدينة مایکوب الواقعة على نهر بلایا من روافد نهر الكوبان. حيث عثر على کورجان مایكوب الشهير؛ وهو عبارة عن تلةٍ ترابيّة ارتفاعها 11 مترًا تحتها بناء قبري، هذا الكورجان لا يمثُّل حضارة مايكوب فقط، بل حضارة الجزء الشمالي الغربي والأوسط من القفقاس الشمالي، والذي يُعتبر موطنَ كلِّ القبائل الشركسيّة الثلاث (أديغة، ويبخ، أبخاز*) وتتالت الحضارات تباعًا:
- حضارة الكتاکومب (2500 إلى 1000 ق.م.)
- الحضارة الدلمونية (2500 ق.م.)
- حضارة القفقاس الشمالي (1000 إلى 800 ق.م.)
- الحضارة الكابتية*

إنَّ الآثارَ الباقية من هذه الحضارات متمثلةٌ بالصناعات القديمة من الحجر والخشب والحديد، القصدير، البرونز، الفضة، الذهب، الفخار والسيراميك، النحاس، العظم، الورق والجلد.
- مقابر الدولميين يبلغ عددها 2200، معظمها في غرب شمال القفقاس، جمهورية الأديغية.
- مقابر دُفنت فيها الأدواتُ الشخصيّة مع الأموات دلالة على الإيمان بوجود حياة ما بعد الموت، ونشوء الإحساس الدينيّ.
- بقايا عربات تجرها الخيول.
- كنائس قديمة ومعابد من الطراز الإغريقي.
- أسلحة؛ سيوف وعصي، سهام ودروع وسروج.

وتوجد أيضًا إثباتات تدلُّ على توازي هذه الحضارات مع الأخرى المعروفة؛ كالسومريّة، الحثّية، الإغريقيّة، الفرعونيّة والألانية (الإيرانيّة)، ووجود رسالة تثبت وجود سد القفقاس العظيم.
لقد كانت المنطقةُ منطقةَ التقاء الحضارات المجاورة؛ وكان هذا سببًا في عدم استقرارها، وتعرضها للحروب الدائمة. فقد احتُلّت المنطقة على فترات متتالية من الفرس والإغريق والتتار والقرم والدولة العثمانية والبيزنطية، ومؤخرًا الروسية. أُطلق على شعوب "القفقاس" في القرن الثالث عشر اسم شراكسة، مرادفها بالإنجليزية (Circassians) بينما يطلق الشراكسة اسم أديغة (مع تخفيف الغين - ومعناها الرجل الكامل) على أنفسهم. وهذه المرحلة التي انتقلت فيها الأسرة إلى النمط الأبوي" آدا"؛ ومعناها (الأب).

• جغرافية أراضي الشراكسة
أثارت "القوقازُ" اهتمامَ الشعوب في القدم؛ فكانت الحدود البعيدة وأرض العجائب والرخاء الغنية بخصوبة تربتها البركانية، فيعتبر جبل "البروز" أعلى قمة في أوروبا جبلًا بركانيًّا، وكانت أرضَ الثروات المعدنية والمنتجات النباتية، فيها بساتين الفاكهة ومياه الأنهار والسيول التي تحمل ذرات الذهب. كانوا يضعون جلود خرافهم بالماء الجاري فتعلق ذرات الذهب على أصوافها. وبالنسبة للإغريق كانت أرضَ الصوف الذهبي ومسرح أساطيرهم.
کتب "أندريه غرومیکو" وزیر دفاع روسيا: "إنَّ التضاريس الطبيعية في بلاد "القفقاس" بجبالها الشاهقة وسهولها الخصبة وأنهارها المتعددة وبحيراتها العذبة وممراتها الطبيعية، ذات أهمية استراتيجية بثرواتها الطبيعية المدفونة منها والظاهرة، ومناجمها وآبارها البترولية والغازية".* إنَّ هذا الاعترافَ سافرٌ وتعليلٌ واضحٌ لاحتلال الروس لبلاد الشراكسة والقوقاز عامة، فنحن كشراكسة ندرك أسباب الروس لمحاربتنا مئة عام والتشبث بتلك الأرض، فعدا عن موقعها الاستراتيجيّ فهي بلادٌ خصبةٌ دافئةٌ تنتج الكثيرَ من المحاصيل، وتسهم بقسمٍ كبيرٍ من غذاء روسيا التي تحول برودة الطقس من إنتاجه عندهم.
لقد كانت مساحة شركيسيا التاريخية قبل القرن الخامس عشر 355000 كم متر مربع، ولم يبق لهم منها سوى 34000 كم مربع. يحدُّ القوقاز من الشمال نهر الكوبان وبحر آزوف حتى جزيرة القرم التي قطنها الشراكسة إلى القرن السابع عشر، ومن الجنوب جبال القفقاس، ومن الغرب البحر الأسود، ومن الشرق أوسيتيا الشمالية والداغستان. أُطلق في القرن السابع عشر ميلادي اسم شركيسيا على المناطق التي تسكنها القبائل الشركسيّة (الأديغة والوبيخ والأبخاز)، وبعد استيلاء روسيا القيصرية عام 1864 تم تقسيمه إلى أربع جمهوريات: قباردینو-بلقاريا، قرشاي-تشركيسك، أديغية، أبخازيا. يوجد في قفقاسيا 40 جبل، تتراوح قممها من 4289 إلى 5633 وجبل البروز أعلى قممها. إنَّ أراضي "القفقاس" مليئة بالأنهار والبحيرات والينابيع الحارة، فهي منتجع روسيا الطبيعي يأمّه الروسُ للاستجمام والعلاج.
تنقسمُ أراضيها إلى غاباتٍ وسهولٍ خصبة، وهضابٍ للمراعي التي تُربّى فيها الخيولُ المشهورة بقوّتها؛ ومنها الحصان القباردي المشهور عالميًّا. وتعيشُ فيها الحيوانات البريّة كالنمر والفهد والدب والثور الهندي، والذئب والثعلب والقط البري والوعل والغزال والجاموس البري، والطيور الجارحة كالنسر والعقاب.*
يتكلم الشراكسة باللغة الأديغابزه باختلاف لهجاتها المتقاربة المفهومة لمتقنيها. أمَّا بالنسبة إلى الأبخاز والوبيخ فلهم لغاتهم الخاصة. ينطق الشراكسةُ اليوم بالأحرف السلافية، بينما استخدم الشراكسة في حقبات تاريخية أحرفًا أخرى؛ كالمقطعية واللاتينية والعربية.

 

دولة الأديغة - لمحة تاريخية سريعة
- في القرن الخامس الميلادي يعود الزيخ إلى أراضيهم التي أفرغها الغوناميون ليعقدوا تحالفًا مع الإمبراطورية البيزنطية ضد البلغار، وهم بقايا الغوناميين. هذا التحالف يؤدي إلى ظهور المسيحية في شمال غرب القوقاز، وكذلك ازدیاد قوّة ونفوذ الزيخ في المنطقة. في تلك الفترة تظهر محاولات جديدة لتوحيد الأديغة والأبخاز في دولة واحدة.
- الزيخ في نهاية القرن الخامس الميلادي يتمكنون من تحرير كلِّ الأراضي ما وراء الكوبان من الغوت والبلغار.
- ازدیاد قوة الزيخ ونفوذهم واستقلاليتهم عن بيزنطة. في تلك الفترة يتمكن عدد من الزيخ من التغلغل في الطبقة الأرستقراطية الحاكمة في بيزنطة.
- في القرن السابع الميلادي؛ وبسبب تراجع قوّة الزيخ ونفوذهم يظهر في شرق القوقاز اتحاد للكاهانات الخزرية (اليهودية).
- الزيخ اضطروا بسبب ضغط الكاهانات الخزرية من الانتقال إلى الضفة اليسرى للكوبان.
- في القرنين الثامن والتاسع الميلادي تتوسع زیخیا حتی شبه جزيرة كيرتش في القرم.
- في القرن التاسع الميلادي يتمكن اتحاد الزيخ والكاسوغ من طرد الخزر نهائيًّا من الأراضي الشركسية إلى مناطق شمال القفقاس التي كانت تحت سيطرة الخزر، وبعدها يتمكن الأميرُ "سفیتسلاف" ومن بعده ابنه "مستیسلاف" ليقضوا تمامًا على الكاهانات الخزرية، ويسيطروا على شبه جزيرة تامان.
- في عام 1022م تجري المواجهة المشهورة بين الأمير "مستیسلاف" والأمير "الكاسوغي ريداده". المواجهة تنتهي بموت "ريداده" غدرًا على يد "مستیسلاف"، وحسب الاتفاق الذي سبق المواجهة فإنَّ "الكاسوغ" خضعوا لسلطة "مستیسلاف"، وفي نهاية القرن الحادي عشر يعيد "الكاسوغ" سيطرتهم من جديد على تامان. لم تنجح لاحقًا كلُّ محاولات "الكاسوغ والزيخ" للتوسع والتوحد بسبب اجتياح المغول للمنطقة.
- في القرن الثاني عشر الميلادي تعود من جديد سيطرة بيزنطة على تامان. وتظهر لدى الأديغة إمكانية تقوية نفوذهم بفضل علاقاتهم مع البندقية وجنوة. في تلك الفترة تبدأ بالظهور القرى والمدن الجنوية والفينيتسية على شواطئ بحري آزوف والأسود الشركسية.
- في عاميّ 1222 و1223 يهاجم المغول والتتار شمال القوقاز.
- في عام 1237م يقضي الهجوم على تحالف "الكيبشاك والأديغة والألان"، وسيطرة القبائل الطورانية على المنطقة لقرون.
- هجوم التتار والمغول يدفع الأديغة في مناطق شمال آزوف بالهجرة إلى القرم، ومن هناك إلى شبه جزيرة تامان. وبعد معركة دامية مع القبيلة الذهبية يضطر الأديغة لترك سهول الكوبان الشمالية والالتجاء إلى الجبال. القسم الآخر من الأديغة من سكان تلك المنطقة يتوجهون نحو الشرق إلى منطقة الجبال الخمسة (بيتي غوريا)، ويؤسسون قبيلة القبردي.
- في العام 1327م يتمكن الأديغة الذين عُرفوا بدايةً بالشركس (وهي تسمية تتارية) من دفع التتار والمغول من ضفاف نهر الكوبان باتجاه الشمال. ويتحوّل تدريجيًّا اسم بلاد "الزيخ والكاسوغ" إلى "شيركيسيا".
- ابتداءً من العام 1282م ظهرت عدة محاولات لتوحيد الأديغة في دولة على أرضهم التاريخية. إمارة "باسكاك تتار کورسك" تدعو قسمًا من الأديغة في منطقة القبردي ليستوطنوا في منطقة كورسك. وبعد مناوشات مع السكان المحليين الذين لم يرغبوا في قدوم الأديغة إليهم، قام "أوليغ" أمير كورسك وبعد موافقة خان الأوردا الذهبية بحرق بيوت الأديغة وطردهم من منطقة كورسك. ما تبقى منهم توجّه إلى منطقة كانيف واستوطنوا في أسفل نهر دنيبرو في أوكرانيا اليوم. هناك أسس الأديغة مدينة تشيركاسك، وأصبحوا قوّةً أساسيّة.
- في القرن السادس عشر الميلادي اشتُهرت- بين قوات الفرق القوقازية- فرقةُ خيالة شركسيّة عمادها من فرسان القبردي والجانه.
- أراضي بريدنيبروفيا وليفوبيرجنایا "أوكرينا" كانت تُسمّى شیرکیسیا لفترة طويلة حتى وصول كاترينا الثانية إلى السلطة في روسيا القيصرية.
- في بداية القرن الخامس عشر امتدت أراضي الأديغة من تامان غربًا حتى الضفة اليسرى لنهر تيرك شرقًا. ولكن شيركيسيا كانت مقسّمةً إلى إمارات قبلية صغيرة متناثرة ومتحاربة.
- في القرن الخامس عشر تغير الوضع بظهور الأمير "إينال" (إحدى الفرضيات تقول إنَّه مملوكٌ شركسيٌّ عاد من مصر إلى القوقاز). استطاع "إينال" فرض سيطرته وتوحيد معظم القبائل الأديغية والأبخازية على شكل دولة تمركزت عاصمتها في بلدة بزبتا الأبخازية. بعد وفاة "إينال" عام 1453م أسّس أولاده عددًا من العائلات الأرستقراطية الشركسية في "القبردي والجمكوي والبسلني وأبخازيا"؛ وبهذا الشكل قسّموا الدولة إلى إماراتٍ مختلفة من جديد.
- في نهاية القرن الخامس عشر استطاع القبردي السيطرة على الضفة اليمنى لنهر تيرك. ولكن للأسف تحولت منطقة القبردي الواسعة هي الأخرى إلى إمارات صغيرة.
- في بداية القرن السادس عشر وبسبب النزاعات بين إمارات القبردي الكثيرة، انقسمت قبردا إلى كبرى وصغرى.
- في العام 1829م بدأت تحركات موجهة لتشکیل اتحاد بين القبائل الشركسية. في ديسمبر من العام نفسه انعقدت الخاسة (الجمعية) والتي تم فيها مناقشة الحرب مع روسيا.
- في العام 1834م أنشأ "الأبزاخ والأوبيخ والشابسوغ والناتخواي" اتحادًا سياسيًّا عسكريًّا فيما بينهم. واتفقت هذه القبائل على تجاوز الخلافات القبلية والتوحد تحت راية واحدة ضد العدو المشترك. رمزُ هذا التوحد كان العلم الشركسي الذي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

• تفاصيل العلم:
اللون الأخضر يرمز إلى ربيع أرض الوطن.
الاثنا عشرة نجمة تمثل قبائل الأديغة مع التشديد على أنَّها متماثلة تمامًا كرمزٍ للمساواة في الوحدة.
الأسهم الثلاثة ترمز إلى أنَّهم شعبٌ مسالمٌ لا يؤمن بالعنف إلا للدفاع عن نفسه وأرضه.
النموذج الأصلي للعلم رُسم عام 1830 على يد الأمير الشركسي "صفر بي زنوقة".
استُخدم التصميمُ من قبل "الأديغيون" في القرن 19 عندما حاربوا الإمبراطورية الروسية.
اعتُمد العلمُ الحالي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 23 مارس 1992.

- في العام 1835 أصدر زعماء هذا الاتحاد إعلان استقلال شيركيسيا الذي أكّد على أن الأديغة مواطنين غير تابعين لروسيا.
- في العام 1841م أنشأ الأبزاخ خمس محاكم شعبية.
- في العام نفسه صوّت الأديغة في الخاسة العامة بالقرب من نهر بشحة على اتفاق الاتحاد.
- في العام 1847م في الخاسة التي عقدها الأبزاخ بالقرب من نهر بشحة، وحدت المحاكم الشعبية الخمس في محكمة واحدة، وشُكّلت إدارة وانتخب رئيس لها، وانتخب قضاة للمحكمة.
- في العامين 1848 و1849 كان "للشابسوغ والأبزاخ والناتخواي والأوبخ" إدارة قانونية وسياسية موحدة، وقوة عسكرية مشتركة دائمة، مؤلفة من مقاتل عن كل ستین بيت. القوة العسكرية قُسّمت إلى كتائب من 150 مقاتل. انتخب مسؤول عن كل ستين بيتًا وفرضت الضريبة لتأمين إمدادات الجيش الشركسي.
-مناطق "الأبزاخ والشابسوغ والناتخواي والأوبيخ" قُسّمت إداريًّا إلى مناطق، كل منطقة مؤلفة من مائة بيت. وأنشأ لكل منطقة إدارة خاصة بها من ستة عشر شخصًا.
- فشل هذا الاتحاد بالاستمرار؛ بسبب محاربة الأمراء له؛ وبسبب النزعة القبلية العصبية التي كانت موجودة لدى الشراكسة في تلك الحقبة.**


-وثيقة عام 1839 (وهي وثيقة الاستقلال التي أرسلت لجميع العالم، موقعة من أمراء الشراكسة الاتحاديين( بعد معاهدة (أدرنة) والمعروفة باسم (أدريانوبولوس) التي وقعها الأتراك مع الروس في عام 1828؛ وكان من أهم بنودها:
تنازل تركيا رسميًّا لروسيا عن بلاد الشراكسة في شمال "القفقاس"، علمًا أنَّها لم تكن منطقة تابعة لأيٍّ كان، وعلى الرغم من استقلالها الفعلي إلا إنَّ العثمانيين قاموا بإهدائها لروسيا القيصرية، وكأنهم هم أصحابها؛ الأمر الذي أفقد الرأي العام العالميّ الاهتمام بقضية قفقاسيا، وكأنَّها مسألة داخلية سوّيت بين الدولتين الروسية والتركية.
وتطبيقًا لمعاهدة (أدرنة) تحركت روسيا للسيطرة على "القفقاس"، ولكن الشراكسة في كلِّ مكان قاوموا ودافعوا عن الأرض والعرض باستماتة لا نظير لها؛ ففي القسم الغربي تحرك مجلس الشعب الذي يضم "الأبزاخ والشابسوغ والويبخ والقبائل الأديغية الأخرى".
وحاولت روسيا شراء مجلس الشعب الشركسي في القسم الغربي من القفقاس الشمالي بإرسال الهدايا إلى زعماء القبائل ومحاولة عقد الصلح معهم بشكل منفرد، وفي عام 1838 عُرض على زعيم (الأبزاخ) معاهدة صلح منفردة، ولم يجب عليها، بل رفعها إلى مجلس الشعب الشركسي ليعطي رأيه فيها.
نتيجةً لذلك؛ وفي العام 1839 اجتمع مجلس الشعب في منطقة الشابسوغ، وبعد مداولات عديدة ونقاشات موسعة استقر الرأي على نشر بيان إلى العالم أجمع يتضمن شرحًا كاملًا للأعمال الوحشيّة واللاإنسانية للقوات الروسية، وبطلان معاهدة أدرنة؛ وهذا نصُّها:
النص المترجم للوثيقة:
"كيف يمكن لسكان قفقاسيا المحليين أن يوضعوا تحت التبعية الروسية، وهم ليسوا في حالة صلح معهم، فهم ما يزالون في حربٍ منذ مدة طويلة، حرب استطاعوا أن يقاتلوا فيها وحدهم طوال هذه المدة، دون أي مساعدة أو تأييد من أية قوة أو طرف خارجي. إنَّ مسلمي قفقاسيا يعتبرون الزعيم الديني (الخليفة) هو لجميع المسلمين، وهو الذي يتمثّل بالسلطان وهو زعيمهم الديني، وبالرغم من ذلك فقد تُرك الشراكسة وحدهم، مع أنَّ أحد باشوات السلطان كان يفتح أبوابًا (انابا) لموسكو ليضمن صداقة الروس ضد زعماء الأرمن الذين هم أعداء السلطان. وباشا آخر خدع الشراكسة وهرب من بلادهم في منتصف إحدى الليالي. بعد ذلك حاول الشراكسة تقديم طلبات مساعدة من السلطان، ولكن قوبلت في كل مرة ببرود زائد وبدون جواب شاف. وبالطريقة نفسها طُلبت المساعدة من الدولة المسلمة الأخرى (إيران) ولكن لم نحصل على جواب شاف. وأخيرًا اضطُروا إلى طلب المساعدة من "محمد علي باشا الكبير"، والي مصر، وفعلًا حصلوا على الجواب الشافي والمقنع؛ إلا إنَّ بعد المسافة كان مانعًا أساسيًّا من تقديم المساعدة.
في كلِّ هذه الطلبات كانت الهيئة الشركسية تحاول أن تشرح أنَّ الهجوم الروسيّ لن يقف عند حدٍّ، وأنَّه حسب التقاليد والعادات الروسيّة فإنَّهم أعداء لسعادة الإنسان، ويشرحون مقدار غدر الجنرالات الروس، وأنَّ جنودهم يقتلون بلا رحمة، وأنَّ القضاء على الشراكسة ليس فيه منفعة لأحد؛ بل إنَّ في مساعدة الشراكسة فائدة لبقية الأمم.
إنَّ الجيش الروسي الذي يحاصرنا الآن، والبالغ مائة ألف جندي سوف يحاربكم أنتم غدًا. إنَّهم الآن يحاربون رجال الشراكسة في جبال "القفقاس" الوعرة؛ وغداً سوف يدوسون بنعالهم سهولكم الخضراء، وسيتمكنون من أسركم. إنَّ جبالنا الشامخة ورجالنا الأشاوس هم السدُّ الواقي لتركيا وإيران. فإذا لم تُقدَّم المساعدة ستسقط أبواب هاتين الدولتين. فهذه الجبال الآن هي حامي هاتين الدولتين.
أضف إلى ذلك أنَّ دمنا، الدمَ الشركسي، يملأ أوردة السلطان وشرايينه، فأمّه وزوجته شركسيتان، وكذلك جميع حاشيته ووزرائه وجنرالاته جميعهم شراكسة، فهو قائدنا الدينيّ الروحيّ، وهو صاحب قلوبنا، ونحن نقدّم له صداقتنا، ومن أجل كلِّ هذه العلاقات فإنَّنا نريدُ مساعدته لنا.
فإذا كان السلطان لن يدافع عن أولاده، أو لا يستطيع؛ فعليه أن يفكّر بأحفاد خانات القرم الذين ينحدرون من سلالة السلطان نفسها، والذين يعيشون بين ظهرانينا. هذا ما ستتكلم به وفودنا. فإذا كان السلطان بموافقته هذه يعلم كم من الرجال تؤيده وتقف إلى جانبه؛ لما كان وافق على صداقة الروس.
إنَّنا نعلم أنَّ روسيا ليست القوة الوحيدة، وأنَّ هناك قوى أكبر منها في العالم، وبقوّتهم هذه يقفون إلى جانب الضعيف، فهم ليسوا أصدقاء لروسيا؛ بل هم أعداؤها، وفي الوقت نفسه ليسوا ضد الصلح، بل مع الصلح مع روسيا. إنجلترا وفرنسا هما أقوى دولتين في العالم؛ فعندما كان الروس يأتون بقوارب صغيرة للصيد في بحر آزوف، كانوا يطلبون المساعدة والسماح لهم بالصيد معنا، وكانت إنجلترا وفرنسا دولتين قويتين في ذلك العهد. إنَّنا لا نأمل من إنجلترا وفرنسا الاهتمام بشعبٍ صغيرٍ مثل الشعب الشركسي؛ ولكن مما لا شكَّ فيه أنَّ هؤلاء الأصدقاء الأذكياء يعرفون أنَّنا لسنا روسيا، وعلمنا محدود ومدافعنا محدودة، وأنَّ جنرالاتنا لم يتدربوا تدريبًا عسكريًّا حديثًا، وأنَّ بلادنا لا تملك السفن، ولا يوجد فيها أغنياء كثيرون. فهم يعلمون ذلك ويعلمون أنَّنا شعبٌ مستقيم أمين وصادق، وإذا لم نُحارب أو نُحاصر فنحن شعب نحبُّ السلام. وهم يعرفون أيضًا أنَّنا محقّون في كرهنا للروس، وأنَّنا في معاركنا نهزمهم. لكلِّ هذه الأسباب بدت دهشتنا واستغرابنا عندما علمنا أن هناك خرائط للعالم قد طُبعت في أوروبا، وأظهرت أنَّ بلادنا قطعة من روسيا، وهذا لم يخطر على بالنا مطلقًا. لقد وُقّعت اتفاقية بين الروس والعثمانيين، تنازل بموجبها العثمانيون بأنَّ أعطوا جبال "القفقاس" دون علمنا ودون الاتفاق معنا إلى روسيا التي لم تستطع أن تجد موطئ قدم لها هناك، وتناست أنَّ سكان هذه الجبال هم محاربون هزموا روسيا مرارًا، بينما كانت روسيا تدعي أنَّ غرب جركاسيا وقبائلها لا يوجد لديهم قانون، أو طريقة جيدة لإخضاعها.
إننا نعلن اليوم بأنَّنا نعارض بشدة أمام العالم أجمع مثل هذه الأخطاء والأساليب الخدّاعة المستعملة ضد شعبنا. إنَّنا نؤكّد بأنَّنا اليوم نستعمل الكلمة مقابل الكلمة، ونعطي الصحيح مقابل الخطأ في استعمالنا الكلمة.
لقد عارضنا بشدة وقاومنا بطاقتنا العسكرية أربعين عامًا متواصلة. إنَّ هذه الدماء كانت من أجل إعلان استقلالنا، إنَّ هذا الكلام لا يعترف بما هو أعلى منه، ولا يقبل المهادنة، ولا يوجد مطلب لنا سوى حماية وطننا والدفاع عنه.
إن هذه الكلمات تعود للأشخاص الذين يعرفون كيف يستعملون سلاحهم على أكمل وجه عند اقتراب موعد هجوم الروس علينا، فأي قوة ممكن أن تقهرنا.
بدمنا بنينا صداقتنا مع السلطان؛ فكيف قبل ذلك حين كان يتفاوض مع الروس من أجل الصلح؟ بينما نحن الشراكسة كنا في حالة حرب مع روسيا. إنَّ صداقتنا دون مقابل أو فداء، فلا يستطيع بيعها أو تحويلها؛ لأنَّها لم تكن مشروطة. ونحن- وبكلِّ حب وتقدير- نتوقع المساعدة من إنجلترا، تلك الدولة الكبيرة، وإن أراد... يستطيع أن لا يفكر بالشراكسة، ولكنَّه يستطيع أن يصم أذنيه عن أكاذيب الروس، كما صمَّ أذنيه عن استغاثة الشراكسة، وليرى الفرق بين شعبنا الذي يلقبونه بالعبيد والبربرية، وبين هؤلاء الذين يريدون سحقنا.
نحن أكثر من أربعة ملايين، ولكنَّنا -مع الأسف- منقسمون إلى شعوب وقبائل، لنا عاداتنا وتقاليدنا المختلفة، لنا قياداتنا المتنوعة، ولكن لم يكن لنا هدف واحد مستمر لغاية الآن، لدينا تنظيم كدولة عادية يتمثل بالتقاليد التي تحكمنا. نطيع قادتنا المنتخبين في حالة الحرب طاعةً عمياء، إنَّ كبارنا وأمراءنا يديرون مناطقهم، يحكمونها حسب عاداتنا وتقاليدنا بشكل أفضل بكثير من إدارة الدول المحيطة بنا، وبالرغم من احتياجنا الشديد إلى قائد أو قائد من بيننا، إلا إنَّ ذلك القائد لم يظهر،؛ وهذا ما يجعل الأجانب يطمعون بنا. كنا تابعين للسلطان؛ الرجل الديني، عن طيب خاطر، وكذلك كنا تابعين لخان القرم أيضًا. أمَّا روسيا فكانت تعمل على حكم بلادنا وتحويلنا إلى عبيد لها. تريد استغلالنا في جيوشها لاحتلال مناطق أخرى، حتى ولو كانت بلاد سكانها الروس البيض، أو يدينون بالديانة نفسها، فيحولونهم إلى عبيد لهم لكي يزداد ثراء القياصرة الروس؛ لذا فإنَّ الحقد والكراهية بيننا تزدادان صلابةً وقوّةً كلَّ يوم، ولو كان العكس لتمكن أحد القادة الروس من احتلالنا وربطنا بدولتهم.
إنَّ هذه هي تصرفاته الظالمة، من عدم الوفاء بالوعود التي كان يقطعها، وكيف كان يحاصر بلادنا، وكيف كان يقطع ويمنع عنا ما هو ضروري لكياننا، ويضع العراقيل أمام تجارتنا، وكيف كان يترك زعماءنا الذين يجب طاعتهم دون أية وسيلة، كيف كان يقضي على قرى كاملة وقبائل بأسرها. كيف كان ينظر إلينا وكأنَّنا متاعٌ خاص به. وكيف استطاع بأكاذيبه وحيله أن يظهرنا بأنَّنا شعبٌ لا يستحق العيش، وأنَّنا برابرة، ويقنع كل أوروبا والعالم المسيحي بهذا، والعالم بأكمله.
لقد فقدنا مخزوناتنا التي كانت تكفي مئات الآلاف من البشر؛ لكنَّنا ومع إصرار روسيا على احتلال بلادنا، وقفنا كجسد واحد نحارب بشراسة وضراوة، وهي استطاعت أن تسيطر على مائتي ألف منا، ولكن لا أحد من هؤلاء راضيًّا عن هذا الأمر.
الروس أخذوا أبناء أبطالنا رهائن، وهناك بعض الأشخاص من شعبنا قد حظوا بالعمل تحت راية إمبراطور روسيا، ومقابل ذلك فقد فضلوا العمل مع الإمبراطور، وتخلوا عن وطنهم. بالمقابل- أيضًا- هناك العديد من الروس يعيشون في وطننا، ويفضلون البربرية التي أُطلقت علينا على المدنية والحضارة التي يدعي حكام روسيا بأنهم أصحابها.
أقامت روسيا القلاعَ والحصون على طول الحدود، وبالرغم من ذلك استطعنا استدراج 50000 جندي روسي إلى الداخل والقضاء عليهم. إنَّ احتلالَ أيِّ بلدٍ لا يتمُّ بالكلام؛ بل بالقوة؛ لذا فإن روسيا لن تقدر علينا، لكنَّها إن تمكنت من الأمور التالية: قطع الطرق والمواصلات البرية عنا، استغلال تركيا وإيران وكأنَّها بلاد تابعة لها، محاصرتنا عن طريق البحر وإغلاق جميع الطرق البحرية؛ بذلك تمنع عنا البارود والملح والعتاد الحربي اللازم للحرب؛ وعندها تتركنا وحدنا مع آمالنا؛ وتتمكن من السيطرة علينا واحتلال بلادنا.
نحن مستقلون وأحرار، وما زلنا في حرب مع الروس والنصر لنا. إنَّ ممثل الإمبراطور الروسي قام باتصالات معنا لا ليعتذر عن حكومته التي قامت وطبعت خرائط تظهر فيها بأنَّ شمال "القفقاس" قسمٌ من بلاد القيصر، وأنَّنا عبارة عن عبيد في بلادهم، كما كانوا يوهمون أوروبا بأسرها، بل جاء ليتفاوض من أجل تبادل الأسرى، وإخراج 20000 جندي روسي محاصرين من قبل قواتنا. (انتهى نص الوثيقة)
وانتهى اجتماعُ مجلس الشعب الشركسي بالتوقيع على الوثيقة؛ أولاً برفض الصلح الذي عرضته السلطات الروسية القيصرية، ثانياً واصلوا المعارك على الجبهتين الشرقية والغربية، وكانت من أشدِّ المعارك عنفًا وأكثرها عددًا، تلك المعارك التي جرت ما بين 1840-1846 حيث بلغ عددها في عام 1846 ( 88 ) معركة.***
- كانت المعركةُ الأخيرة في 21 أیار (مایو) سنة 1864م، انتصرت روسيا القيصرية فيها على الشعب الشركسي، في معركة حامية الوطيس، قرب مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود، وهذا اليوم هو ذكرى يوم الحداد الذي يحييه الشراكسة بكل أرجاء العالم بقولهم (لم ننس ولن ننسی). واتّخذ الروس قرارًا بتخيير الشعب الشركسي بين ترك أرضه والنزوح إلى الشمال المقفر، أو الرحيل إلى الدولة العثمانية.
بعث الشراكسة إلى مفتي مكةَ والشام ومصر يسألون رأي الدين، وتدخل الأتراك وشجعوا الشراكسة على الهجرة إلى تركيا، وأكّدوا حرمة العيش في بلاد الروس وتحت إمرتهم، وذلك بالاتفاق مع الروس؛ لرغبة في كسب محاربين جدد لصفوفهم؛ وكان خيارُ الشراكسة الهجرةَ الى أرض الإسلام، آملين بالرجوع إلى وطنهم لاحقًا.

- في أيلول من العام 1921 أُنشئت مقاطعة القبردي ذات الحكم الذاتي.
- في 20 نوفمبر من العام 1922 تم تغيير اسم مقاطعة القبردي إلى مقاطعة قبردينا-بلقاريا ذات الحكم الذاتي.
- في الخامس من ديسمبر 1936 أصبحت قبردينا-بلقاريا جمهورية ذات حكم ذاتي.
- في يناير 1922 أُنشأت مقاطعة أديغيسکا-کارانشايفسكايا ذات الحكم الذاتي.
- في آب 1922 أُنشأت مقاطعة تشيركيسيا ذات الحكم الذاتي، وعاصمتها مدينة كراسنودار.
- في العام نفسه تم تغيير اسم المقاطعة إلى مقاطعة أديغية ذات الحكم الذاتي، وعاصمتها مایکوب.
- في 23 أيلول 1924 أُنشئت منطقة الشابسوغ بين مصبي نهري شاخة وطوابسة.
- في 24 أيار 1945 أُلغيت منطقة الشابسوغ وحُوّل اسمها إلى منطقة لازيروفسكوية؛ نسبة إلى الجنرال "الازيروف" الذي أباد الشابسوغ.
- في العام 1991 مقاطعة أديغية ومقاطعة قرشای-شركيسيا أصبحتا جمهوريتين في روسيا الاتحادية.
- في آب 1992 أعلنت أبخازيا استقلالها عن جورجيا وما زالت هذه الدولة الفتية صامدةً رغم كل الصعاب.****

الهوامش:
*من الموسوعة الشركسية/ د. محمد خير مامسر.
**شمال غرب القفقاس الماضي والحاضر والمستقبل/
الدكتور والتر ريتشموند - ترجمة جميل إسحاقات.
***من الموسوعة الشركسية/ د. محمد خير مامسر.
****عن مقالة أرب جمال، رابطة كتاب المنى والأرب


الصور المرافقة :
- من هم الشركس
- العلم الشركسي
1 - هجرة الشركس
2 - صمود
3 - العلم
4- المصوغات الذهبية

الشركسُ في المجتمع الأردنيّ؛ اندماجٌ وتأثيرٌ
في الأدب والفن التشكيلي.

• وصولُ الشراكسة إلى الأردن
يقول الدكتور شوكت المفتي إنَّ قسمًا صغيرًا من الشراكسة الذين أُعيد توطينهم عام 1877 في البلقان التي هجروها بعد الحرب، فأعيد تهجيرهم إلى الأناضول، حضروا إلى سوريا والأردن حيث منحتهم الدولة العثمانية أراضٍ زراعيّة ليعتاشوا منها.
لقد احتوت المعاهدتان اللتان وقعتا بعد الحرب ب"سان ستيفانو" آذار 1878 وفي برلين 13 تموز من العام نفسه إصرارًا روسيًا على ضرورة طرد الشراكسة من البلقان، وإعادة توطينهم في أمكنة أبعد عن الحدود الأوروبية والروسية-التركية. لقد حقّقت الحكومة العثمانية مطالب مؤتمر برلين بالتمام والكمال، بأن أفرغت تركيا الأوروبية من الشراكسة، وأخذتهم إلى أقاليمها الآسيوية تركيا سوريا وفلسطين والأردن.
وصلت المجموعة الأولى من المهاجرين من بلغاريا إلى منطقة عمان/ الأردن عام 1878، وتشكّلت من الشابسوغ، تبعهم الأبزاخ والقبردي والبجدوغ، وصلوا بحرًا إلى موانئ لبنان وفلسطين، بعد أن غرقت سفن كثيرة بركّابها الشراكسة في البحر الأسود. وصل مجموعة أخرى من المنفيين من مواطني قباردا الكبرى والصغرى واستقروا في حي المهاجرين، كما استوطن الشراكسة في عمان، ووادي السير، وناعور، وصويلح، وجرش، والزرقاء، والرصيفة؛ وذلك في أماكن وجود المياه.
صاحبت هذه الخطوة عمليات تجنيد الشراكسة في الشرطة، وكان الواجبُ الرئيسُ المساعدة في بناء الخط الحديدي الحجازي الممتد من عمان إلى المدينة المنورة ومن ثم القيام على حراسته. وقبل ذلك أُنيط بهم حماية قوافل الحج القادمة من تركيا وسوريا المتجهة إلى مكة والمدينة عبر الأردن.*
بقيت العلاقات بين المهجَّرين الشراكسة والقبائل البدوية المحيطة بعمّان وديّة؛ عدا مشكلة بسيطة حدثت عام 1910 اجتمع على أثرها وجهاء بني صخر مع وجهاء الشراكسة، وحرّروا (وثيقة الأخوة والصداقة) التي جُدّدت العام 2013.*

كان للشراكسة دورٌ بارزٌ في أكثر من مجال من مجالات الدولة الأردنية منذ تأسيس الإمارة وحتى يومنا هذا، فأُنیط بهم حراسة المغفور له الملك عبدالله الأول، وإلى يومنا هذا تراهم في القصر الهاشمي العامر بملابسهم التقليديّة.
كان للقيادات والشخصيات الشركسية الأردنية مساهماتٌ ومشاركاتٌ فاعلة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، كما لعبوا دورًا بارزًا في بناء الدولة الأردنية الحديثة في مراحلها اللاحقة، بدءًا من عهد الملك عبدالله الأول المؤسس، والملك الراحل الباني الحسين بن طلال، إلى عهد الملك المعزّز عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.
الشراكسة في الأردن يعتبرون أنفسهم مواطنين مؤسسين، فالأردن وطنهم الأول، ولهم كلُّ الحقوق وعليهم الواجبات سواسيّةً مع كل الأطياف الأردنية. وهم يدينون بالفضل للدولة الأردنية الهاشمية قيادةً، وحكومةً وشعبًا. وقد شاركوا الشعب الدفاع عن الوطن بجانب أخوتهم من شتى الأصول والمنابت.
وما كان للشراكسة أن يقدّموا ما قدّموه لولا المواقف النبيلة والخدمات الجليلة التي قدمتها الدولة الأردنية لهم؛ من الأمن والأمان، ودمجهم بالمجتمع الأردنيّ دون تمييز، والتعامل معهم كعشيرة من عشائر الأردن وليست كأقلية عرقية. وكذلك في منحهم الحرية التامة بممارسة عاداتهم وتقاليدهم وحياتهم الاجتماعية، وحرية ممارسة لغتهم وتعليمها في مدرستهم الخاصة (مدرسة الأمير حمزة) والمعاهد الخاصة، وحرية ممارسة فلكلورهم وثقافتهم دون قيدٍ أو شرط، مع احتفاظهم بهُويتهم ومواطنتهم الأردنية؛ وبالتالي فإنَّ إخلاص الشراكسة وحبهم وولائهم اللامحدود للأردن، انطلق من حرصهم أن يكونوا شركاءَ فخورين في بناء الدولة الأردنية الحديثة، والدفاع عنها والمحافظة على استقلالها وازدهارها، تقديرًا وعرفانًا بالخصوصية التي مُنحت لهم منذ تأسيس الإمارة.*

• المؤسسات الشركسية الرئيسة
1- الجمعية الخيرية الشركسية بعمان وأفرعها في وادي السير، وناعور، وصويلح، وجرش، والزرقاء، والرصيفة، وفرعها النسائي المشرف على مدرسة الأمير حمزة والمطبخ الإنتاجي والمطعم (سماور).
2- نادي الجيل الجديد.
3- النادي الأهلي.
4- نوادي وجمعيات خيرية أخرى.

***
• الفنون الشركسيّة في الأردن

الشراكسة شعبٌ تعرَّض للاعتداء بسبب موقعه الجغرافي بين امبراطوريات عدة على مرِّ التاريخ كما أسلفنا؛ وهذه الطبيعة فرضت عليه أن يكون محاربًا يدافع بضراوةٍ عن نفسه، فعرف رجاله ونسائه بالمحاربين الأشداء.
هذه الطبيعة خلقت من أفراده شعبًا محبًّا للفنون بشتى أنواعها، فاشتهر منذ الأزل بصياغة الفضة والذهب وباللباس الشركسي الذي يدلل على محبتهم للفنون.
كما اشتهر بالفنون الأدائية الأكروباتية على الخيول، والرقص الذي يبرز صفات الرجولة بالحركات الأدائية التي تنم عن القوة البدنية للرجل، وكذلك المرأة الممشوقة بحركات أنثوية طابعها الرومنسية والخجل.
وهناك الموسيقى التي تحكي تاريخ هذا الشعب، التي تعرف (بالخاخوه)، موسيقى ترافق الرقص والغناء المعبر عن نواحي الحياة من حبٍ وحرب.

حمل الشراكسة فنونهم إلى المهجر، فبكوا الوطن بأغانٍ خالدة تدمي الفؤاد

 

محي الدين  قندور

                                                                   محمد أزوقة                                    مكرم خندوقة                              


والشركسي بطبعه يحبُّ الحياة، وفي الأردن لقيَ الشراكسة الدعم الكامل، فمارسوا حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم بكلِّ حرية؛ وأنشأوا النوادي الرياضيّة والثقافيّة؛ كنادي الجيل الجديد، والنادي الأهلي، وفرقة مدرسة الأمير حمزة (إلبروز).

• مساهماتٌ في الآداب والفنون في الأردن
برز في حقل الآداب والدراما كلٌّ من الدكتور محي الدين قندور، والمرحومة زهرة عمر ومحمد أزوقة، وتميّز د. محي الدين قندور بنتاجه المميز والغزير، ولد محي الدين قندور عام 1938م، وهو مخرج وكاتب ومنتج سينمائيّ عالميّ، والده اللواء عزت قندور القائد العسكري الأردني المشهور في حرب 1948، ومدير الأمن العام الأردني الأسبق. هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعمره ثلاثة عشر عاماً لإتمام دراسته هناك، وتخرج في قسم التاريخ في كلية إيرلهام الأمريكية، ودرس الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة كليرمونت في كاليفورنيا، ونال فيها درجتي الماجستير والدكتوراه.
خاض محي الدين قندور بدايةً غمار قطاع إدارة الأعمال مع شركات عالمية في نيويورك ولندن حوالي ثلاثين عامًا، كمدير إداري تنفيذي ومستشار؛ وذلك أوائل السبعينيات، ثم عمل مدة أربع سنوات ككاتب سيناريو، ومخرج ومنتج للأفلام في هوليوود.
كتب العديد من الأعمال الأدبية منها ثلاث عشرة رواية تاريخيّة، بما في ذلك رواية "ثلاثية القفقاس"، و"الصيد الأخير"، و"سيوف الشيشان وأبناء الشتات"
كما يمارس قندور التأليف الموسيقي الكلاسيكي، وقد عُزفت أعماله في روسيا وإنكلترا واليابان وغيرها من الدول.
في 31 أيار 2005 حاز جائزة الصليب الذهبي في موسكو لمساهماته في Culture of the Fatherland، كما حاز جائزة مؤلف الشعب (نارودني بيساتيل) في الخامس من نيسان عام 2008 في روسيا.
من مؤلفاته: "عملية اختطاف الطائرة"، "التصدع"، "الأسطورة"، "شروق الشمس في الصحراء"، "ضياع في الشيشان ".
وله كتب تاريخية منها: "المريدية" "بيبرس" و"جسر نحو القمر" .
أمَّا محمد أزوقة فهو أديبٌ وروائيٌّ، ولد سنة 1942 في مدينة عمّان، أنهى الثانوية العامة في كلية تراسنطة بعمّان سنة 1960، ثم درس الهندسة المعمارية في جامعة الشرق الأوسط التقنية بتركيا سنة 1963، لكنَّه لم يتمّ دراسته. وهو عضو في رابطة الكتاب الأردنيين. عمل في قطاع الصناعة والتأمين في كل من عمّان وأبوظبي وبغداد.
ألّف العديد من الروايات الأدبية منها: «الثلج الأسود» عام 1988 وهي أول كتبه المنشورة، ورواية «دقيقتان فوق تل أبيب» وصدرت عن دار الجليل عام 1990، ورواية «والشتاء يلد الربيع» صدرت عام 1998، و«حريق الصخور» عام 2012، و«الخطيفة» عام 2015.
كما قام بترجمة العديد من الروايات التاريخيّة الشركسيّة التي كتبها الدكتور محيي الدين قندور باللغة الإنجليزية. وله عدة مقالات أدبية في الصحف والمجلات المختلفة، وهو عضو في المجلس العشائري الشركسي الأردني. أما مؤلفاته الأخرى غير الأدبية فنذكر منها:
-"المريدية: دراسة الحروب القفقاسية" لـ محي الدين قندور، دراسة (ترجمة من الإنجليزية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمّان، 2007.
-"التاريخ الشركسي" لـ قادر ناتخو، دراسة (ترجمة من الإنجليزية) دار ورد الأردنية، عمّان، 2009.
-"القضية الشركسية"، يشكل الدراسة السياسية الأولى في هذا المضمار، دار ورد الأردنية، عمّان، 2010.
-"بدون إطلاق رصاصة واحدة"، دراسة سياسية، دار ورد الأردنية، عمّان، 2014.
أمَّا الروائيّة المرحومة زهرة عمر ابشاتسة، فقد وُلدت 12/12/1933 في عمّان، ودرَست المرحلة الابتدائية في مدارسها ثم انقطعت عن الدراسة. بدأت الكتابة في عمرٍ مبكر، وعملت على تثقيف نفسها، فتعلمت اللغة الإنجليزية، كما تعلمت أعمال السكرتاريا. عملت موظفة في وزارة الأشغال العامة، وشركة "سيجما" الهندسية، وفي صحيفة "الأخبار" اليومية التي كانت تصدر في عمّان، ووكالة الأنباء السوفياتية "نوفوستي". توفّيت يوم 31/12/2000 في عمّان.
من أعمالها الأدبيّة:
-"الخروج من سوسروقة"، رواية، دار أزمنة، عمّان، 1993.
-"سوسروقة خلف الضباب"، رواية، دار أزمنة، عمّان، 2001. ط2، وزارة الثقافة، عمّان، 2010.
وتركت ثلاث مخطوطات هي: "حدث ذات يوم"، "الزمن والقنفذة" (قصتان طويلتان)، و"الانتخابات" (مجموعة قصصيّة).

• مساهماتٌ في الفن التشكيليّ الأردنيّ
وفي الفنون التشكيليّة كان للشركس دورٌ بارزٌ؛ فظهرت أعمال الفنانين الشراكسة لتعبر عن تاريخهم وحاضرهم؛ فاختلفت الأساليب، كلٌّ تناول ماضيه وحاضره، فلا تخلو أعمالهم من لوحات الرقص كأعمال الفنانة المرحومة مكرم حغندوقة التي رسمت بأسلوبٍ انطباعيٍّ لوحاتٍ رائعةً لحركة الراقصين. والفنان المرحوم فاروق لمبز الذي مال فنه للحروفيّة العربية بتقنية عالية الدقة. وكذلك المرحوم المهندس الفنان علي ماهر الذي أثبت حضوره على الساحة الثقافية بقوة؛ فبكاه محبوه بعد الفراق المبكّر. وأيضا الدكتور الفنان محمد قيتوقة الذي أبدع بأسلوبه المتميز، وترك أثرًا كبيرًا على طلابه في الجامعات الأردنية.
وتنعم الساحة الفنية بحضور فنانين تشكيليين مبدعين من أجيال مختلفة، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الفنانة جان المفتي، والفنانة آمال جلوقة، والفنانة زينة السعيد، والفنانة شيرين المفتي، والفنان نسيم يرفاس. وهناك من تخصّص في رسم اللوحات الشركسيّة، كالرقص؛ فأتقنوا الحرفة بشكل مذهل كالرسامة فايدة متوخ، والرسام عامر خمش، والمهندسة المرحومة جانسيت نغوج.
كما أبدع العديدُ منهم في مجال الأعمال الزخرفيّة واليدويّة.
ولا بدَّ هنا من تناول بعض التجارب الشركسية الرائدة والجميلة في الفن التشكيليّ:
الفنانة مكرم حغندوقة (1938-2010)تتلمذت على يد الفنان الإيطالي "أرماندو برون" ثم تابعت دراستها في معهد الموسيقى والفنون الجميلة الأردني، وهي عضو مؤسس لرابطة الفنانين التشكيلين الأردنيين، أقامت معرضها الشخصيّ الأول عام 1983 في جاليري عالية، ثم معرضًا شخصيًّا عام ١٩٨٥ في المركز الثقافي الإسباني، وفي بنك البتراء ١٩٨٦، وفي المركز الثقافي الإسباني ١٩٩٤. شاركت في العديد من المعارض المشتركة في الأردن، وفي العديد من المعارض الجماعية خارج الأردن في الكويت وبغداد وأبوظبي وبيروت وبلجيكا .
تصوّر لوحاتها الطبيعة والحياة الثقافية في الأردن، كما تعكس بحرفية عالية العادات والرقص الشركسي، بأسلوب بديع انطباعي مائل للتجريد، مميز وخاص يعكس نفسها الشفافة المرهفة الإحساس، بألوانها المائية الزاهية، وبحسب العديد من النقاد فإنها مثلت الحركة الحيّة للرقص الشركسي أجمل تمثيل.


أمَّا الفنانة التشكيلية زينة فلاح صباح السعيد، حفيدة نوري سعيد باشا رئيس وزراء العراق في العهد الملكي، فقد ولدت في عمان عام 1978، وحصلت على بكالوريوس تجارة في الجامعة الأمريكية بلندن.
بداية أعمالها الفنية مستوحاة من أعمال عمها "عصام صباح نوري السعيد" التي تسرد القصص القديمة والحنين إلى وطن هناك لم تره، لكنَّها رسمته من مخيلتها استنادا إلى قصص مسرودة من أهلها.


ثم اتّخذت خطًا مختلفًا في مجال أعمالها لتنتج لوحات تُسمّى بالكولاج Collage art. نوع من الفن الذي يعتمد على تجميع صور مختلفة من مواد متنوّعة لتكوين اللوحة.
وتجسّد زينة السعيد من خلال أعمالها قضايا مختلفة في المنطقة العربية، منها تاريخ القوقاز وأساطيره، والثقافة وتاريخ الحضارات العتيقة، والتركيز على كل ما هو جميل من إبداعات الإنسان. وحصلت على العديد من الدورات في الفنون الجميلة والرسم من لندن روسيا وسوريا.
بدأت مشوارها كفنانة تشكيلية عام 2011 بعد أن أقامت معرض بذكرى عمها الفنان الراحل عصام السعيد. ثم أقامت معارض شخصية وجماعية في أوروبا وروسيا والشرق الأوسط وشمال افريقيا؛ منها بينالي القاهرة، وبينالي شمال القوقاز في مدينة موسكو، روسيا.
أمَّا الفنان علي ماهر فقد حقّق حضورًا جليًّا في المشهد الثقافي الأردني (1958 - 10 يونيو 2013)، كان فنانًا ومعماريًا ومعلمًا، وأيقونة ثقافية في عمان التي أحبها.


أدى الراحل أدوارًا متعددة في عالم صناعة الأفلام من خلال عضويته في مجلس مفوضي الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، كما أسهم في تأسيس مدرسة أتيليه بابا للفنون. وعرف عنه اهتماماته المتنوّعة بالتشكيل وفنون العمارة والسينما وصناعة أفلام الكارتون، وهو مؤسسJAID ، أول أستوديو في الأردن للرسوم المتحركة والتصاميم الصناعية.
كما حاضر الراحل علي ماهر في الهندسة المعمارية والفنون والتصميم في مجموعة من المؤسسات الأكاديمية والتعليمية بالمملكة، بما في ذلك الجامعة الأردنية، وجامعة البتراء، وجامعة البلقاء التطبيقية، والجامعة الألمانية الأردنية. بالإضافة إلى ذلك، عمل ماهر كمستشار للتصميم.
أمَّا الفنان فاروق لمبز الذي ولد في عمان ودرس الحقوق في جامعة دمشق، فقد كانت أعماله الفنية في بداية مسيرته تحاكي الطبيعة بأسلوب مميز، تنوّعت اهتماماته بين الرسم والأعمال الحروفية التي نزعت نحو التجريد ، وتميزت بنورانية صوفية، فيها حركة وتكرار محكم بفضاء من الإضاءة النورانية، أقام عدة معارض في كل من المركز الثقافي الفرنسي، وفندق انتركونتيننتال، وجاليري عالية، وجمعية الفنانين التشكيلين بالبحرين.
ويبرز كذلك الفنان محمد قيتوقة، في أعماله التجريدية التي تعالج طبقات من الألوان وذرات الأصباغ، يبني بها مناظر تذكر بسطوح الأقمار أو الكواكب، حيث تتخللها قطع كولاج ملون تبرز غرابة التكوين من حيث المادة والموضوع.


حاز محمد قيتوقة على الماجستير في مدرسة موخينا للفنون في لننغراد عام 1982، وحاز الدكتوراة في كلية سترجونوف العليا للفنون في موسكو عام 1993.
أمَّا الفنانة جمانة النمري فهي عبر مفرداتها البصرية الواضحة في دلالاتها الرمزية والتعبيرية تعاين العديد من القضايا والظواهر الإنسانية، مثل فقدان الهُوية والتمييز وقضايا العنف ضد المرأة، والحروب، وغيرها من الأزمات والتحديات، تتناولها في إطار تعبيري، إنساني المذاق والمحتوى.


كذلك الفنانة شروق شابسوغ، وهي شركسية أردنية مقيمة في سدني أستراليا، حاصلة على بكالوريوس الصيدلة، الفن التجريدي هو أسلوبها التعبيري، حينما تعكس في لوحاتها النموذج الإنساني في كلِّ بقاع الأرض، مستفيدة من تجاربها الكثيرة من خلال السفر والمطالعة، والتعرف على شعوب العالم بمختلف أنواعها وأشكالها وتقاليدها، واستطاعت أن تجسد هذه الثقافات في فنها الذي يعتمد تقنية تستخدم ألوان الأكريليك والحبر على كنفاس بأحجام وأشكال مختلفة.
وتتميز تجربة الفنانة آمال جلوقة بالتنوّع التقني، فقد درست الفن على أيدي فنانين من مدارس وثقافات عديدة، خلال التحاقها بالمجمع الثقافي في أبوظبي (المرسم الحر) لمدة عشر سنوات.
درست النحت الكلاسيكي على يد الفنان البلغاري "سفلين بتروف" مدة ست سنوات، ودرست الرسم باستعمال ألوان مائية وزيتية وأكريليكية وباستيلية، وتقنيات الطباعة الزنكية والشاشة الحريرية.
عملت في محترف الجرافيك بالمتحف الوطني للفنون الجميلة في عمّان مدة ست سنوات، صقلت بها تجربتها بفن الطباعة الجرافيكية.
شاركت في العديد من المعارض في الأردن وأبوظبي والشارقة (معارض جمعية الإمارات للفنون التشكيلية) التي كانت عضوًا فيها، وأيضًا لها مشاركات في دول أوروبية منها إسبانيا وإيطاليا، وكذلك إيران.

المراجع في إعداد ملف الشراكسة كاملاً
الهوامش:
-كتاب (أباطرة وأبطال) الدكتور شوكت المفتي.
*-الموسوعة التاريخية للأمة الشركسية (الأديغة)
الدكتور محمد خير مامسر.
-**شمال غرب القفقاس الماضي والحاضر والمستقبل
الدكتور والتر ريتشموند - ترجمه جميل إسحاقات.
***-عن مقالة أرب جمال، رابطة كتاب المنى والأرب

-مدخل التراث الشفوي/ عاطف حج طاس يخول
-القضية الشركسية/ محمد أزوقة
-التاريخ الشركسي/ قادر إسحق ناتخوه
-روايات الدكتور محي الدين قندور المتعلقة بموضوع الشراكسة (ثلاثية القفقاس والمريدية)
-الوطن في أدب الشراكسة/ الدكتورة إيمان يبقاعي

-The Circassians in the imperial discourse of Pushkin, Lermontov and Tolstoy

Dr. Aida Azouqa

  • فنونُ الموسيقى والرقص الشركسيّ؛ أعلامه في الأردن

لعبت الموسيقى دورًا حضاريًّا مهمًّا في الحفاظ على القومية الشركسية عبر العصور، وهي غنيةٌ بالأساطير النارتية في المناسبات والمضافات

والاجتماعات القومية والخاصة.
لقد استعمل الشراكسة الآلات الوترية (شكابشينة)، والإيقاعية كالطبول (البارابان) والخشبية (البختشتش)، ومن ثم دخل الأكورديون كآلة متخصّصة بالموسيقى الشركسيّة.
وكان للغناء دورٌ مهمٌّ في الحفاظ على التراث كأغنية الحب التي ألفها الفارس الذي خسر حبيبته عندما خطفها، أغنية (أديوخ). وهناك الأغاني الكثيرة التي ألفها المهاجرون عندما هجروا موطنهم، كأغنية (اسطنبولاقوه) وهي أغنيةٌ حزينةٌ جدًّا.
ترافق الموسيقى بالعادة الحفلات الراقصة، ويستخدم فيها الأكورديون والايقاع الموسيقي.
الموسيقى هي تربيةُ النفس البشرية المتمسكة بتراث الأجداد والحفاظ عليها، وهي موسيقى هادفة منضبطة تسمو بالروح إلى آفاق الكون الرحبة، لتغدو حالةً من التأدب مع الطبيعة، ترشد النفس إلى الصواب والشفافية حين التبصّر ورؤية الأمور.
وهي تريح الأعصاب من كدِّ الحياة، كما أنَّها لغة التواصل للتعبير عن فكرة الكون والوجود؛ وبالتالي فهي تحكي عن وطن ما يزال محفورًا بالصدور، تحافظ على وطن احتوى تلك المواهب وهذّبها، فتروي حكاية إنسانية حقّة منسجمة مع ذائقة البشرية.
• الرقصُ الشركسيُّ
يقولُ الفنانُ باتر أباظة: " إنَّ الرقصَ الشركسيّ يتضمن الكثيرَ من الرموز والإيحاءات، قسمٌ كبيرٌ من رقص الرجال يعبر عن الرجولة، وما تحمله 

الحركات من رموزٍ لحماية الأنثى واحترامها ورفع مكانتها في المجتمع، فيما يعبر القسم الآخر عن لياقة الرجل وقدرته على القتال ببراعة، وحماية أسرته وعِرضه وأرضه. أمَّا رقص الإناث فيتكوّن القسم الأكبر منه من حركاتٍ رشيقة تعبر عن الأناقة والاحترام، والقسم الآخر يصوّر مواقف تقوم فيها المرأة بفضِّ النزال بين الفرسان، بمجرد حضورها".
يتميّز الفلكلور الشركسي بتنوّع أساليبه وتعدّد أنواعه التي تختلف عن بعضها البعض اختلافًا كليًّا؛ وهذا ما يجعله فلكلورًا غنيًّا بالثقافة الأصيلة. فمثلًا رقصة "القافه" هي رقصة بطيئة ولها شخصيتها الموسيقية، كذلك رقصة "الششن" هي رقصة سريعة ولها أيضًا شخصيتها الموسيقية.
ونأتي إلى (الوِجّ) حيث فيها الرومانسية والسرعة المتوسطة وكذلك الحكولاش والزفاقوه والزغاثات... وهناك أربعة عشر نوعًا من الموسيقى التي يتم الرقص بمصاحبتها، وكلٌّ منها له شخصية مستقلة؛ مما يجعله فلكلورًا جديرًا بالبحث والتطوير.
* فرق الرقص في الأردن:
- فرقة نادي الجيل الجديد.
- فرقة النادي الأهلي.
- فرقة الأكاديمية الشركسية.
- فرقة البروز التابعة لمدرسة الأمير حمزة.
كما يوجد العديد من الفرق الموسيقية الشركسية منها فرقة روح الشمال، وفرقة ديبسا.
• الفنانون الموسيقيون العالميون من الشركس  
• د.محي الدين قندور
أبدع د. محي الدين قندور في مجالات عديدة، في كتابة الرواية والبحث الأكاديمي والإخراج والإنتاج، واهتم بالموسيقى فألف ووزع وقاد أوركسترا، كتب مقطوعاته متأثرًا بألحان تراثه الشركسي، من معزوفاته: مقطوعة الكمان الشركسية ميلودي القفقاس، مقطوعة البيانو الابخازية نشرت من قبل Maramba Musoc Verlagi بميونخ/ ألمانيا ، مقطوعة ستنيي عزف رباعي الكمان، مقطوعة الذكرى violin concerto كتبت لذكرى الراحل المغفور له الملك الحسين بن طلال. اقتنيت معزوفاته الموسيقية من قبل أوركيسترات عالمية في أوروبا واليابان وماليزيا والصين.

• زينة أحمد أزوقة

  

ملحنة وكاتبة أغاني أردنية شركسية مقيمة في برلين. بدأت طريقها في الموسيقى كعازفة بيانو في الفرق الموسيقية، من خلال تجاربها المنوعة في      المسرح ومجموعات الارتجال، طوّرت أسلوبًا أصيلًا للتأليف والتوزيع الموسيقي.
أدت "أوركيسترا دويتشه" الشهيرة فيلم "أوركيستر بابلسبيرج" العديد من أعمالها الأوركيسترالية التي تدمج عناصر كلاسيكية، عربية وشركسية في آن واحد.
أطلقت أزوقة ألبوم بعنوان "زازوكا" في شهر تشرين الأول عام ٢٠١٩، يتضمن ٩ أغاني ومعزوفات، ومنذ انتقالها إلى ألمانيا في عام ٢٠٠٩، أكملت دراستها في مجال الأفلام والرسوم المتحركة في نورمبرغ، ودخلت من خلال صناعة الأفلام إلى عالم الموسيقى التصويرية، حيث ألفت وأنتجت موسيقى لعشرات الأفلام الحائزة على جوائز عالمية لغاية اليوم.
أزوقة عضو مؤسس لمجموعة تراك ١٥ للمؤلفات، كما هي عضو في جمعية آ.ت.ي.م. ومن أحدث إصداراتها أغنية أوركيسترالية بعنوان "هديل" متاحة على كل المنصات تحت الاسم الفني زازوكا (zazuka).
• عليم قندور


عازف كمان شاب، يشقُّ طريقه إلى العالمية، يتميز أسلوبه بطاقة كبيرة خلاقة، ذو حساسية عالية في العزف، تخرج في الكلية الموسيقية الملكية بلندن.
أمَّا الموسيقيون الشراكسة الأردنيون الذين برزوا في عزف موسيقى من التراث، فهم :


• عبيدة عمر: وهي أول موسيقية شركسية بالأردن ذات موهبة فذة مفعمة بالطاقة، عازفة بأسلوب خاص بها.

• المهندس محمد سعيد فؤاد بزوقة


موسيقي فلكلوري وحديث، من مواليد عمان1957، أسهم على مدى عشرين عامًا في إحياء الفن والفولكلور الشركسي في الأردن والعالم وتطويره، عن طريق إدخال الآت موسيقية حديثة إلى جانب الآلات الفولكلورية الشركسية؛ مما كان له تأثير إيجابي على الجيل الجديد.

• سامر سامي


درس الموسيقى في جمهورية مصر العربية/ جامعة (حلوان) قسم تأليف. تعاون مع كبار الفنانين في الوطن العربي مثل محمد منير وإيهاب توفيق وأحمد منيب...عمل في المجال التطوعي الشركسي منذ عام ١٩٨٧ في الجمعيات الشركسية والنادي الأهلي، ونادي الجيل الجديد، والأكاديمية الدولية للثقافة الشركسية.
قام بتطوير هذا الفن الرائع من حيث استعمال الآلات الموسيقية التي لم تكن تستخدم من قبل في الفلكلور الشركسي، مع المحافظة على روح اللحن الشركسي وعمقه؛ مما لاقى إعجاب الكثيرين حول العالم.
والجدير بالذكر أنَّ أهمَّ الفرق الشركسية أصبحت تستخدم الموسيقى الشركسية التي طوّرها مثال فرقة كباردينكة في القفقاس، بالإضافة للفرق المحليّة والدولية.
• بلان جلوقة


تعلّم العزف عن طريق العازف "سفربي أمشوقة" الذي كان يعمل في الأردن، شارك في العديد من الأعمال مع فنانين شركس ومن قوميات مختلفة؛ ومنها تسجيل معزوفات لفرق مثل نادي الجيل وفرق فنية أخرى في المهجر. وهو مؤلفُ موسيقي للكثير من المعزوفات. يعزف على "البشينة"/الأكورديون، و"القامل" والفلوت، بالإضافة الى آلة وترية شركسية (أبه بشينة)، مقيم في هولندا، ويدرّس العزف على آلة الأكورديون.
• بارينا أباظة (غناء فلكلوري)


نشأت بارينا أباظة في بيتٍ محافظٍ على العادات والتقاليد ومغرمٍ بالفنِّ والموسيقى، اتّخذت من صوتها وسيلةً فنيّةً راقية تحكي من خلاله للعالم قصة الشعب الشركسي. بدأت مسيرتها الفنية عام ٢٠٠٥ في مهرجان جرش حيث أيقنت لحظتها أهمية الغناء باللغة الشركسية للحفاظ على هذا الإرث العظيم، وقد شاركت في مهرجانات فلكلورية عديدة في الأردن وخارجه.
أسست بارينا مع أخويها باتر وأنزور أباظة فرقةً للفلكلور الشركسيّ، وأسموها (ديپسا) التي تعني "روحنا" بالشركسي، كون الموسيقى هي روح الشعب الشركسي.
هناك أعدادٌ كبيرة من العازفين للموسيقى الشركسيّة، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: باتر أباظة، أنزور أباظة، إبراهيم شوباش، مهند ناسب، زيد جيكات، راكان قوجاس، مأمون حتوقاي، حسن بيطار، عمر وجوخ.
الصور المرافقة :
زينة أزوقة
عليم قندور
عبيدة عمر
سعيد بزوقة
سامر سامي
بلان جلوقة
بارينا أباظة
الرقص الشركسي
مهرجان جرش
جمال الرقص الشركسي

  • فلكلور الشراكسة وعاداتهم

إن تحدثنا عن تاريخ الشراكسة كي تكتمل الصورة؛ فلا بدَّ لنا أن نتحدث عن أساطير النارتيين. إنَّ التاريخ الشركسي مثله مثل تاريخ أيِّ أمةٍ مسجل ومحفوظ في فولكلورها. فملاحم النارتيين تتشكّل من 26 دورة و700 نص، وهي تُظهر الأعضاء الأكبر سنًا من النارتيين الآلهة (نسران ولبش)؛ هذه الملحمة العظيمة ربما هي الأقدم من نوعها في العالم، مشبّعة بالرمزيّة، والمعلومات التاريخيّة حول أسلاف الشراكسة. يتشكّل أعضاء هيكلها من أبطال النارتيين من مختلف الأعمار، ابتداءً من أبعد الأزمنة قبل التاريخ. نمت هذه الملحمة مع الأمة، وتشربت الأحداث الجديدة واحتوتها وحوّلتها إلى الأجيال الصاعدة التالية، بأسلوبٍ بليغٍ ساحر، لقد جمعت مخزونًا بأساليب معيشة الشراكسة وحفظته منذ الأزمنة البعيدة الميسوليتية حتى العصور الوسطى والحديثة، فأضحت مستودعًا لقوانينهم الاجتماعية، وقيمهم الأخلاقية؛ لذلك فإنَّ أبطالَ هذه الملحمة البشر من حيث الشكل والحجم، متفوقون على البشر العاديين في القوّة البدنية، وقوة الإرادة، ولا أندادَ لهم في الإنجازات البطوليّة. لقد كانوا في كلِّ العصور حلمَ كلِّ شركسيّ، وقدوةً لكلِّ فردٍ بأن يرقى إلى مستواهم. كذلك فإنَّ معايير السلوك السامية، والقيم الأخلاقية العالية لهذه الملحمة، أصبحت النواميس التي تُنشّأ عليها الأجيال الشركسية الصاعدة، خلال القرون التالية. وقد شكّلت فيما بعد (الأديغة خابزة) قانون الأخلاق والتعامل والدستور الدنيوي الصارم للشراكسة، والذي لا يمكن الحياد عنه. ولغتها هي شجرة نسب الأمة، أي أن الأديغابزة (اللغة الشركسية) هي التي أُنشئت بها هذه الملحمة. هذه الملحمة كانت على الدوام عنصر التوحيد لجميع القبائل التي تتكلم الشركسية، والتي ظهرت في المعترك التاريخي في أزمنة مختلفة، تحت مسميات قبلية مختلفة. لقد كانت تلازم التاريخ مع العادات والتقاليد إلى يومنا هذا.*
العادات والتقاليد الشركسية


- تنتظم العادات والتقاليد عند الشراكسة ضمن قانون (الأديغة خابزة) وإذا جمعنا التعريفات المتعددة لها فهي دستورٌ، وحكمها حكم القانون، وهذا القانون عظيمٌ ومقدسٌ وأخلاقي، ويشمل جميع نواحي الحياة التنظيمية؛ وبذلك تتجاوز كونها عادات وتقاليد لتصبح القانون الشركسي. فهي ضوابط سلوكية وأخلاقية يخضع لها الحاكم والمحكوم والمحكمة. فهي تحدّد السلوك الفرديّ والجماعيّ، وتنظم العلاقات مع الآخرين ومع المجتمعات الأخرى، مستندة إلى الخبرات المحصلة قوميًّا، وهي بالمعنى الواسع للكلمة تعني: تنظيم بلاد، وقيادة شعب، وتنظيم جيش ومال، وتنظم سياسة واقتصاد. وتحرص "الأديغة خابزة" على عدم تعارض الأنظمة، والأمور مع بعضها البعض، بل تُربط هذه القواعد وتُنسّق فيما بينها، وتعمل على التأثير المتبادل، منطلقة كلها من مبدأ واحد، ومتّجهة إلى هدف واحد.
أمَّا الجانب الاجتماعي وهو ما يخصّنا في بحثنا هذا، والمتعلق بنا:
- تُنظم مجموعة القيم الاجتماعية منذ اليوم الأول لولادة الطفل، وتضع ترتيبًا حتى لملابسه الأولى وطرائق تربيته وتعليمه وتدريبه، ومن ثم تتابعه حتى الكبر.
- تنظم أمور الزواج والحياة العائلية حتى يهرم المرء ويموت، وأمور العزاء والدفن وفق قواعد الاحترام.
- هي ميراث الأجداد، وهي مرعية التنفيذ، ومعمول بها بدقة ونظام منذ آلاف السنين.
وصلت قوانين "الأديغة خابزة" إلينا رغم عدم تدوينها من خلال الأساطير والقصص الشعبية والأغاني المحفوظة في الصدور. وقد لعبت المضافة الشركسية دورًا مهمًّا في الحفاظ على العادات والتقاليد الاجتماعيّة، فهي مكانٌ لمناقشة ونقد ما يستجد من أمور وأحداث وقرارات يتخذها الكبار.
وقد كانت مدرسةً تشهد تبادل المعلومات والخبرات والنقل الحي للثقافة، والإضافة عليها إذا لزم الأمر.*
عند الحديث عن "الأديغة خابزة" في صورتها الحالية وجب التوقف والحديث عن حكيم وفيلسوف الشراكسة قزانوقة جباغي: عاش في القفقاس من 1684 إلى 1750 في منطقة القبردي، وكان من طبقة العمال الذين يعملون في خدمة الأمير؛ فأحبّه الأمير وبعث به إلى أحد النبلاء لتربيته (الأتالِق)؛ وهي عادة الشراكسة حينما كانوا يبعثون الطفل عند أُناسٍ مختصّين بالتربية ليكون بعيدًا عن عاطفة الأبوة؛ فينشأ أكثر اتزانًا وقوة. عاد إلى كنف الأمير شابًا يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا، وتكوّنت شخصيته الفذة بمرافقة الأمير حتوقشوقة وحضوره مجالس النبلاء والأمراء. استطاع إقناع الأمراء بوضع قواعد التهذيب للعادات بما يتناسب مع تعاليم الدين الإسلاميّ.
ويمكن إيجاز العادات والتقاليد على النحو التالي:
- العادات المرتبطة باحترام المرأة
تقديم المرأة على الرجل في المجالس، ووقوف الرجال لها احترامًا، ويترجل الفارس في الطريق احترامًا للمرأة، ويتحدث إليها بأدب، ويقف الرجال الجالسون عند مفارق الطرق احترامًا لها بغض النظر عن سن الطرفين، ويُمنع الشجار بحضورها في البيت أو الشارع، وإنهاء الخلاف بين طرفي النزاع إذا ما رمت منديلها بينهما، وتقديم العون والمساعدة لها إن طلبت.
- العادات المرتبطة بكبار السن
إنَّ احترام الكبير مقدسٌ لا يمكن الإخلال به، فلا يقطع الصغير أمام الكبير في الطريق، ولا يتحدث معه بصوتٍ عالٍ، ولا يمتنع عن أي طلب له، ولا يُثير أيَّ ضجيج حوله، ولا يتمادى أمامه بالمزاح، ولا ينادي عليه في الطريق. وفي المجالس، تُعطى للكبير الصدارة، فلا يجلس الصغير أبدًا بمجلسه؛ بل يقف عند الباب منتظرًا أية إشارة لخدمته، ويُستشار الكبير قبل القيام بأي عمل.
- العادات المرتبطة بالتربية القومية
كانت للعادات المتبعة بتربية الطفل أصولٌ صارمة. في البداية تربي الأم، وتُستشار الحماة بكل صغيرة وكبيرة، ويؤخذ بنصائحها. وكان أمراء الشراكسة وعلية القوم يبعثون صغار الذكور إلى أشخاص متخصّصين بالتربية (أتالِق) بعيدًا عن الأهل لينشأوا أقوياءَ البنية ذوي أخلاقٍ ودين، فرسانًا مدربين على القتال، وكذلك الحال لعامة الناس، فكان العم يربي أولاد أخيه بعيدًا عن عاطفة الأبوة ليشتدَّ عود الصغير بحزم، فالعواطفُ تفسد الصغير. أمَّا الإناث، فكانت تُربى بكنف العائلة الكبيرة من نساء البيت (الجدة والأم والعمات والكنات). كانت البنت تُعطى مسؤوليات البيت من تنظيف وترتيب وتطريز وخياطة، وتُربى أيضًا لتقوم بخدمة الضيوف، فمكانها المضافة والقيام على خدمة الضيف من الجنسين، لا تدخل المطبخ ولا تحضر الطعام، كانت هذه المهام مناطة بالمتزوجات من الإناث.*
- العادات المتعلقة بالزواج
يُسمح للشباب بالتعارف قبل الزواج ضمن ضوابط اجتماعيّة، حيث يحقُّ للشباب زيارة الشابات في بيوتهن بالأعياد والمناسبات، وأيضًا في حفلات الرقص والسمر، وأيضًا إذا جاء ضيف يتردد الجميع إلى بيت المضيف لتسلية الضيف، وكذلك بوجود مريض طريح الفراش للترفيه عنه بألعاب متعارف عليها خصوصًا في حالة الكسور التي تتطلب السهر. لا يُسمح بزواج الأقارب والجيران فهناك عهد أخوّة بين الشباب من العائلة نفسها بالنسب والجيرة. الزواج يتمُّ على الطريقة الإسلامية من جاهةٍ وخِطبةٍ وعقد قران، باحتفالاتٍ بهيجة وسهرات وحفلات رقص. في حال عارض الأهل الزواج لعدم التكافؤ سواء بالنسب، أو أي عائق يرونه من الطرفين، تُطبق "الخطيفة" تحت قيود وعادات منضبطة. في العادة يتفق الشاب والشابة" العريسان" على هذا الاختيار، فيقوم الشاب باصطحاب أخته، أو قريبة له وأصحاب له للقيام بالمهمّة، فيتوجهون إلى بيت الفتاة بالموعد المحدّد، تخرج الفتاة سرًا دون علم المعارضين، وتكون قد أخبرت أختها أو صديقة لها تحفظ سرَّها. كانت الخطيفة تتم على الخيل سابقًا، والآن استُبدلت بالسيارات والوسائل الحديثة. عندها تؤخذ الفتاة إلى بيت أحد الوجهاء للاحتماء به، ويذهب الشاب إلى بيت أحد أصدقائه. يبعث المضيف جاهةً إلى الأهل لإخبارهم وتحديد يوم لعقد القران؛ لتنضم بعدها العروس باحتفالية إلى بيت الزوجية. تتلو حفل الزواج احتفالات عدة، وفي اليوم السابع للعرس يُقام حفل تعريف العروس بكبار السيدات من العائلة. ويتبعه حفل إرجاع العريس من بيت صديقه إلى بيته لتستمر الحياة.
- العادات المتعلقة بالضيافة
من مظاهر الحياة الاجتماعية التي رافقت الشركس طيلة مسيرتهم، والتي يجب الإحاطة بها لما يوليه الشراكسة من اهتمام بهذا الموضوع (المضافات) حيث كان معظم التراث الشفوي الشركسي يتجلّى فيها. لقد كان إكرام الضيف، من السمات البارزة في مجتمعهم، يشهد على ذلك القاصي والداني، فلم يزر أحد مناطق "القفقاس" إلا وسجّل إعجابه بطرق الضيافة عندهم. لقد وردت في كثير من الكتابات بأقلام كتّاب مشهورين مثل "بوشکین ولیرمانیتوف وتوليستوي". وقد وثّق "جون لانجفورت" ذلك؛ فقال: "إذا كنت تسعى للشهرة في مناطق الشركس، فإن السبل إليها ثلاث: الرجولة والكلام البليغ وإكرام الضيف." إنَّ المال والأملاك لم تكن سبل الشهرة تلك الأيام. والذي يقصّر في واجب الضيف يكون منبوذًا، ويجلب العار على نفسه وعائلته وأسرته. لقد كان إكرام الضيف من الأمور الضرورية، وحاجة اجتماعية ماسّة؛ بسبب المسافات البعيدة، وعدم توفر وسائل النقل والطرقات بين المدن والقرى، وعدم وجود أماكن الإقامة كالفنادق. فضيف اليوم مُضيف الغد. لقد كان لكلِّ شركسيّ مضافة تتناسب مع حالته، وكان هناك دلالات على مدى قدرتها الاستيعابيّة للأعداد، فهناك مرابط الخيول في مداخل البيوت، وعددها يدل الضيف على ذلك. وكانت العادة أن يدخل المضافة بدون استئذان فيجد كل ما يلزمه للإقامة، ولا يُسأل الضيف عن مدة إقامته؛ بل كان هناك طرق لتعريف المضيف بذلك من طريقة تعليقه (القامش)؛ وهو السوط المستعمل لتوجيه الخيل. كما وجدت مضافات بأطراف القرية لكبار القوم عمرًا ومنزلة، تستوعب أعدادًا كبيرة. كانت مضافات الشراكسة تقوم بأدوار كثيرة؛ كالاجتماعات للنظر في الأمور الطارئة، ومناقشة أمورهم ومشاكلهم مستعينين بكبار السن. كانوا يمجّدون الشجعان وينتقدون الجبناء، ويوجهون الشباب.
فيها تُعقد السهرات الليلية، فتُتلى الأشعار والأغاني، وتُعزف الموسيقى، وتُسرد الأخبار، وتُروى القصص، قصص النارتيين والتاريخ والأخبار السياسية والحربية. فهي مدرسة للتعليم ونقل العادات والتقاليد وحفظ التراث من الضياع. وكان لكلِّ ذلك أصولٌ صارمة، كاحترام كبير السن والمنزلة الاجتماعية، فلا يمكن أن يُقاطع متحدث، وعادةً يُطلب الإذن من كبير الجلسة حين التحدث. إنَّ إكرام الضيف حقٌ للجميع بغض النظر إن كان صديقًا أو عدوًا، صغيرًا أو كبيرًا، غنيًّا أو فقيرًا، أنثى أو ذكر. لكن الإناث كانت تُستضاف في غرف النساء في البيت.*
• الصفاتُ والخصائصُ القوميّة المميزة للإنسان الشركسيّ.
يؤكّد علماءُ الأنثروبولوجيا عامةً والمختصّون منهم بعلم دراسة الأجناس خاصّةً، أنَّ الرجل الشركسي والمرأة الشركسية كانوا يتصفون بصفات قومية محددة، ويمتلكون خصائصَ نفسيّة وعقليّة وأخلاقيّة واجتماعيّة ومدنيّة ميزتهم عن غيرهم، وأنَّ العشرات من علماء التاريخ، والمختصّين بدراسة الأقوام، وكذلك الأدباء والشعراء والمؤرخين والرحالة تحدثوا عن الصفات الحميدة التي يتحلى بها الإنسانُ الشركسيُّ، فهم يتميزون برجولة رجالهم، ورزانة وجمال نسائهم.
وأهمُّ الصفات التي يتميّز بها الرجلُ الشركسيُّ هي:
- الرجولة والشجاعة والمروءة.
- اللباقة في التعامل مع الكبار والجنس الآخر.
- الصفات الجسميّة؛ وهي نتاجٌ لطريقة العيش وما يتبعها من متطلبات العصر، فكان قويَّ البنية عريضَ المنكبين، نحيفَ الخصر، بهيَّ الطلعة. هم دائمو الحركة من خيالة ورقص وتدريب على الفروسية والقتال، والاعتناء بخيولهم وتدريبها، فخيولهم قويّةُ البنية معروفةٌ بقدرتها على تسلق الجبال الوعرة.
- الاعتزاز بالنفس، وحب العمل والنشاط الدائم.
- الأخلاق الحميدة والأدب الجم
- الإخلاص والوفاء والانتماء والحفاظ على الوعد.
- قدسية التآخي، ومتانة الصداقة، والحفاظ على حق الجيرة.
- الاستقامة والنزاهة والصراحة في القول.
أمَّا المرأة، فتتحلى بالأدب، مخلصة وفية، مطيعة نشيطة واثقة، ومعتزة بنفسها، بأنوثتها وجمالها، صبورة كتومة للسر.*
عندما تطالب الأقوام بالتحلي بتلك الصفات تصبح واجبةً على كلِّ فرد، يؤنب من يخالفها، فلا مجال لغير ذلك، وفي كثير من الأحيان يُطرد من العشيرة من يقترف ذنبًا، أو يقومُ بعمل شائن.

الهوامش:
*مدخل التراث الشفوي/ عاطف حج طاس يخول.