أرصفةُ التِّيه

د. طارق مقبل
شاعر وناقد سوري
ـــ 1 ـــ
وبَعْدَ اكتمالِ المتاهةِ
يَـجثُمُ ذئبُ الكلامِ
على شرفاتِ المدينةِ
يرسلُ أنيابَه في الزّوايا
ويستلُّ من كلِّ شَقٍّ
أنينَ الحكاياتِ
يَسردُ منها الذي
منذ قابيلَ
ليس يُراد له أن يسيلَ
ليَكشفَ سرَّ القطارِ
الذي يسرقُ الفَجْرَ
يمتصُّ نسغَ محطّاتِ كلِّ الضحايا
ويُحرق ما يألفون من الـحَيرة القاتلةْ.
***********
ستعبُرُ هذي الحكايةُ
من فوق جسرِ الحياةِ
وتغرقُ في نهرها مرتينِ
نعم، قد رأى ما يخبِّئ صمتُ المرايا
نعم، قد رأى القيحَ خلف الأغاني
فقال الرواة له: أنتَ أعمى،
وقد كان يقرأ كفَّ الغيوبِ
ويعلمُ كيف ستنقرض الزَّقزقاتُ
ويعلمُ كيف سيملأ كفَّ الزمانِ النعيبُ
ويعلم أنَّ الحجارةَ سوف تفرُّ من الطّرقاتِ
وتهوي على فوّهاتِ المكانِ
وتنتحرُ القافلةْ.
ـــ 2 ـــ
يقول الغريبُ:
تعالي أخبِّرْكِ أصلَ الحكايةِ
كنتُ أسافرُ في ظلِّ نفْسي
وأبني جبالاً من الرَّملِ
تحرسُ أحلامَ عشقي
وعشقَ الذين تنادوا
إلى موسمِ الجمرِ
في قاعِ وهمٍ مريحٍ
ومِنْ ثَـمَّ هبَّتْ رياحُ الظّلامِ
فصارتْ خراباً جبالُ الرِّمالِ
وأنكرني العاشقونَ وذابوا
مع الرَّملِ
في غفلةٍ من سُباتِ الزَّمانِ
استحالوا سكاكينَ
تَلبسُ وجهَ الملاكِ
وتَطعَنُ وجهَ الحياةِ
أولئكَ تَغرقُ فيهمْ (أناهُمْ)
فمنهمْ إليهمْ
وما من شريكٍ لديهمْ
سوى الشَّعوذاتِ
التي مَسَخَتْهمْ جراداً
فبعضٌ تنامُ على شفتيهِ السُّمومُ
وبعضٌ تناسَل في مِنْخَرَيه السَّوادُ
هُمُ الميِّتونَ يعيشون موتاً بهيّاً
وإنْ كان يَزْفُرُ فيهمْ شهيقٌ
كثيرٌ من الميِّتين يموتون
في كلِّ يومٍ
وليستْ تبالي اليدانِ بموتِ الأصابعِ
ليسَ يُهِمُّ الأصابعَ موتُ أصابعَ أُخرى
تقولُ طيورُ الظَّلام:
مخالبُنا ستُمَزِّق أيَّ يَدٍ
ستُمَدُّ
لتلمسَ أحلامَها
سننثرُكُمْ فوقَ إسفلتِ كلِّ طريقٍ
غباراً
سنبذُرُ في كلِّ روحٍ خراباً
وفي كلِّ ركنٍ
وفي كلِّ طَرْفَةِ عَينٍ
ولن تتحرَّكَ في سِفْرِ أحقادِنا فاصلةْ
ـــ 3 ـــ
تعالي ...
فلم يبقَ غيري وغيرُكِ
وحدَكِ ... وَحْدي
وثالثنا وَحْدةٌ
معاً سوف نُنْكِرُ قُبْحَ الصَّحارى
ونـمطرُ فوق الجفافِ
ونحرسُ شَمعَتَنا الذّابلةْ.