نوافذ ثقافية

محمّد سلَّام جميعان
ثقافة عربيّة

المؤثرات الأجنبيّة في شعر عزّ الدين المناصرة/ د.عماد الضمور
يقف هذا الكتابُ على مَلْمَحٍ من التفاعلات الفنيّة والفكرية مع الآداب الأجنبية، ويندرج في بؤرة الأدب المقارن، ويتّخذ من تجربة الشاعر عزّ الدين المناصرة نموذجاً للكشف عن ملامح التلاقي والتفاعل الإيجابي بين التجربة الشعرية العربية والمنجز الشعري الغربي. فوفق ما يراه الكاتب لا يكون الانطلاق إلى العالمية إلا من خلال المحلّية، وهو ما ميّز تجربة المناصرة منذ ديوانه الأول " يا عنب الخليل"، الذي استلهم فيه الأساطير الكنعانية بروح حضارية متجدِّدة أخذت في اعتبارها الروح القومية.
في البُعد التحليلي يكشف الباحث عن التعالقات النّصّيّة بين المناصرة و"إليوت" من خلال التراكيب اللغوية واستعارة المناصرة لها من قصيدة الأرض الخراب، للكشف عن حالة البؤس الإنساني والخراب الذي تعانيه الأرض. فالنصّ المؤسِّس لإليوت يسري في قصائد المناصرة الذي تمثّل الظرف السياسي والاجتماعي المُحْبِط. ويستقصي الباحث الثيمات اللغوية والتعبيرية التي وحّدت بين التجربتين، فضلاً عن موقفهما من التراث وحديثهما عن التقاليد والموهبة الفردية، للخلاص من انهزامية الواقع والعودة للماضي ببعث جديد للقيم.
وفي منحى آخر من مقايسة التجربة، يكشف الباحث عن أثر "روبرت فروست" في جمالية التجربة الرَّعوية، وتمثُّل المناصر لها كما تجلّت في التراث الإنساني بعامة، والشعر الإنجليزي بخاصّة، كما يبدو ذلك في مشاهد الغابة التي تبدو بارزة في بؤرها النّصية المنبثقة من الدلالات والصور المغتنية بخبرة الواقع ورعوية المكان هرباً من العالم المادي بصخبه وصدمته المؤلمة.
وينعطف الباحث في المحور الثالث من كتابه، إلى فاعلية التأثير الحضاري الذي أحدثه "لوركا" في تجربة المناصرة الشعرية في معالم التراث الشعبي ذي الصلة بعالم الغجر والارتباط باللون الأخضر الذي تردَّد في شعر المناصرة 254 مرّة، وهو ما أسهم في ترسيخ ظاهرة الكَنْعَنَة في شعر المناصرة.
الكتاب يشتمل على أمثلة وافرة تعزّز النتائج التي خلص إليها الباحث، مما يحقّق للقارئ قراءة نقدية لإبداع المناصرة الشعري تتجاوز حدود النص، لا سيَّما أنَّ هذه الدراسة تكشف عن تأثر شاعر عربي واحد بمجموعة من الشعراء الغربيين.
بانوراما التراث السردي في الأردن وفلسطين/ د. حسين جمعة
يعتمد المؤلّف في مقاربته النقدية لرؤاه الفكرويّة، مبدأَ الوحدةِ المعرفية والتاريخية والاجتماعية منهجاً لإيجاد وحدة نسقيَّة مبنية على التحليل التصنيفي والبنائي للأعمال الأدبية التي تناولها في كتابه هذا.
ففي هذه الصورة البانورامية للتراث السردي في فلسطين والأردن التي تَعَنْوَنَ بها الكتاـب يقدِّم الباحث رؤية جديدة ومختلفة لما هو معروف ومتداول في الإطار الثقافي العام، ويقدِّم إضافة جديدة لكثير من الجهود البحثية التي سبقته تاريخاً وتفصيلاً في تناول جهود "بيدس" السرديّة، و"أبو غنيمة" في أغاني الليل، وتغييب جهود عارف العزّوني في الريادة القصصية، فضلاً عن بدايات محمود سيف الدين الإيراني، والنزعة الواقعية الاشتراكية عند نجاتي صدقي.
يقف الباحثُ في هذه البانورامية الفكرية عند القسم الأول الخاص بمرحلة البدايات، ويتتبّع جذورها وفضاءاتها الاجتماعية، ويدخل في محاوراتٍ متعددة مع آراء النقّاد، ليعيد تشكيل المشهد السردي وفق رؤيته ومنهجه، ويستقصي النّص في ظروف نشأته التاريخية والاجتماعية، وهو ما ينسجم مع منهج الواقعية الاشتراكية في النقد.

ملامح التراث في الشعر الفلسطيني المعاصر/ حسن جلنبو
يتّخذ الكتاب من معين بسيسو نموذجاً لاستقراء البنية التراثية وملامحها، ودورها في تشكيل التجربة الشعرية المعاصرة، واستقصى عناصرها في ستة فصول وخاتمة، معتمداً مناهج نقدية متعددة أبرزها المنهج التحليلي، للكشف عن الدور الذي أدَّته في تجربة معين بسيسو الشعرية، وهي تجربة تستند إلى التراث المحفّز على الكفاح والتمرد على القوى الخارجية التي تضرب بجذورها في الأرض العربية.
الإطار النظري لمدخل الباحث أبان فيه مفهوم التراث وحدوده، مُمايِزاً بين تلقي الشعراء العرب الآخرين للتراث وتوظيفه في تجاربهم الشعرية، وتلقّي بسيسو له بحسّ تاريخيّ وإدراكٍ لأبعاده في تجاوز الماضي وحضور هذا الماضي في الزمن الحاضر. لهذا نرى تقسيم الباحث للتراث الديني في الفصل الأول يتخذ منحى مغايراً عمّا درج عليه الباحثون السابقون، فيُدخل في تقسيماته الشخصيات الدينية الشرّيرة( يهوه، قارع الأجراس، شمشون الجبار)، فيربط بينها وبين تمثيلها للهدم والإعاقة التاريخية لنهوض الأمّة.
ويفرّق الباحث بين مفهومين يتعلقان بتوظيف الأسطورة هما: توظيفها واستيحاؤها، وهو محدِّد منهجي فرضته طبيعة استقراء النص الشعري عند بسيسو. وفضلاً عن توظيف الرموز التاريخية؛ أدبيةً كانت أو سياسية وقادة وشخصيات تاريخية، وكذلك وقوفه على التناصات الدينية والأدبية، والتاريخية، فقد خصّص الباحثُ أحدَ فصول كتابه لربط التراث وعلاقته بالإيقاع والموسيقى الشعرية، كاشفاً عن ملمح مهمّ في شعر بسيسو، يتمثل في خلوّ قصائده التي جرت على النظام العمودي من أي تضمينات تراثية، وارتباط الأمر بقصيدة التفعيلة فحسب، وانميازها بثلاثة أبعاد ترسخت من خلال الفصل بين تفعيلتين رغبة في تمثّل المفردة التراثية دون الالتفات إلى الخروج على المألوف من وزن السطر الشعري، وكذلك التحرّر من القافية الموحَّدَة لكي تسهم المفردة التراثية في تشكيل قافية النص، وأخيراً اللجوء للتدوير.


ثقافة عالمية
الحنين إلى النَّصّ/ د. أسعد دوراكوفيتش، ترجمة: إسماعيل أبو البندورة
تنفتح هذه السيرة الأدبية الفكرية لمؤلِّفها على أمداءٍ واسعة من التلاقح الفكري بين الثقافة البلقانية والثقافة العربية، فمؤلِّفها من ألمع كتّاب البوسنة والهرسك، ومن المشتغلين بالثقافة العربية.
في الصفحات 9-96 تجليات لصراعات المؤلّف مع ضرورات العيش ورحلة العلم والمثاقفة ودراسة الأدبين العربي واليوغسلافي، والانكباب على الترجمة في ظلِّ الحصار بدواعي الحرب الأهليّة في سراييفو، وما ولدّه في نفسه من صدام الأعراق والحضارات في يوغسلافيا.
وفي الكتاب يجد القارئ استعراضاً للمُناخ الثقافي السائد في البوسنة ومنطقة البلقان، وكيفية التعامل مع الثقافة العربية والإسلامية في الكلّيات ومعاهد الاستشراق والحوارات المضادة لهما، والأجواء الفكرية التي سادت الخصومة الفكرية تجاه الثقافة العربية والإسلامية.
وتحمل هذه السيرة الذاتية والفكرية نقداً للثقافة الأوروبية وتمركزها ومحاولتها طمس الهُويات والثقافات الأخرى وتهميشها. وبالمقابل يؤشّر المؤلف على نقد ممارسات المؤسسة الإسلامية في البوسنة والهرسك بهدف إصلاحها لتأخذ دورها الفكري والعملي في المحافظة على الوعي والكيانية الدينية البعيدة عن الغلوّ والتطرّف.
والكتاب فيه فيض من التحليلات والتوضيحات والتعقيبات على قضايا الاستشراق والظواهر المرتبطة به من الداخل، فالاستشراق من وجهة نظر المؤلّف إيديولوجيا مرتبطة بالمركزية الأوروبية ومعبّرة عنها. وفيه دعوة لقراءة الشرق من داخله بدون مسبقات أو استهدافات إيديولوجية.
في هذه السيرة الذاتية الفكرية ينفتح وعي القارئ على محطات من معاناة المؤلف في إيجاد مكان للثقافة العربية في ذلك الإقليم، وفيه محطات مطموسة بفعل الإعلام التحريضي، يُجلّيها المؤلّف بحيادية الباحث التاريخي ورؤيته العلمية المحايدة في أصول المشكلات الدينية والعِرْقية التي حكمت أبعاد الصراع في هذا الإقليم.