شهادة إبداعية البترا.. روحُ المكان

أميمة الناصر
كاتبة أردنية
روحُ المكان هو ما أردت للفتيان القراء أن يختبروه؛ حيث الخطى المتلاحقة نهارًا الوئيدة ليلًا، أنفاس العمال الأنباط وهم ينحتون في الصخر فنَّهم العظيم أو أصواتهم الفرحة إذ ما وصلت قوافلهم التجارية محملةُ بما لذَّ وطاب، رائحة البخور تعبق في المكان، الحرير الناعم نائمٌ فوق ظهور الجمال.
روح المكان العابق بحكايات الناس عن أحلامهم وأطفالهم وهم يتراكضون في مراح قلوبهم، عن القادم من الأيام إذ هاجسهم أن يحموا حبيبتهم البترا من الغزاة.
هذا ما جال في بالي وأنا أكتبُ رواية «حكايةٌ في البترا»، أردتُ للقراء الفتيان أن يكونوا شاهدين على حياة الأنباط، يعيشون تفاصيل حياتهم حتى إذا ما زاروا البترا يومًا التقوا بأبطال الروايةِ وبدا لهم المكان مألوفًا وحميميًا.
تسير أحداث الرواية في مسارين متوازيين؛ الأول في البترا حيث يذهب إليها أحدُ أبطال الرواية عبر آلة الزمن.
والمسار الآخر والذي يحاذي الأول هو في الزمن المعاصر وتحديدًا مدينة عمان. وفي نقطة ما يتقاطع المساران ليكتشف القارئ أنَّ الحياة في كثيرٍ من تفاصيلها متشابهة، وأنَّ الناس يحملون الهموم والهواجس والقضايا ذاتها، والأحلام ذاتها أيضًا.
على الصعيد الفنّي اتكأت الرواية على الخيال وذلك لأهميته في بناء شخصية الفتيان الذين يحاولون من خلاله بناء عوالمهم الخاصة ومدى تماسها مع الواقع، وكذلك تجسير الفجوة بين خبراتهم المحدودة ومعطيات العالم والتجارب المتراكمة للكبار.
اعتمدت الرواية على التشويق لأهميتهِ أيضًا في سحب القارئ لمواصلةِ فعل القراءة والاستمتاع بها في زمن تُعدُّ فيه الكتابة للفتيان أمرًا صعبًا لوجود الكثير من المشتتات أهمها شبكة المعلومات لما توفره من معرفة وما تقدمه من قصص وأفلام تأسرهم وتشد انتباههم.

سؤالُ الهُوية في «نصف قلب مكسور»
فتاةٌ بعمر الياسمين ذات جديلة طويلة وعيون عسلية. اسمها نسرين وهي «فتاة متروكة» درّستها ذات عام، كانت كثيرة الصمت قليلة الحركة مجتهدة في دروسها.
ذات يوم لم تأتِ إلى المدرسة، تم إبلاغ المدرسة من دار الرعاية التي تقيم بها أنَّها هربت ولا أحد يعرف إلى أين.
ظلّت جديلة نسرين وعيناها العسليتان عالقتين بذهني، وقصة هروبها لا تكاد تفارق تفكيري حتى صارت جزءًا من رواية «نصف قلبٍ مكسور». كانت نسرين صاحبة نصف القلب المكسور الذي أودعته أمّها في صندوق بجانبها حين تركتها أمام أحد البيوت، لتتولى بعد ذلك دار الرعاية الاهتمام بها وليظلَّ النصف الآخر من القلب المكسور حرزًا في ذاكرة نسرين يمنحها بعض الأمل في رمي رأسها في حضن أمها التي لا تعرف عنها شيئًا ذات يوم.
حفرت بطلة الرواية عميقًا في داخلها لتعبر عن كثيرٍ من التجارب الحياتية والنفسية التي مرّت بها، كان الهاجس الأكبر هو سؤال الهُوية؛ من أنا وإلى من أنتمي.
إنَّ طرح موضوع «الأطفال المتروكين» للفتيان هو طرحٌ جريء وقضية على غاية من الأهمية فغالبًا هذه القضية يتم التعتيم عليها، فعلى مستوى المدرسة كان يُطلب من الهيئة التدريسية التكتم تمامًا على وجود طالبات متروكات فلا أحد يرغب بالتعريف عنهن، رغم أنَّهن كن يتحدثن بصراحة عن واقعهن ويضحكن بقهرٍ مغلف بحزن كبير إذا تعرضن للسؤال عن أسماء آبائهن أو عائلاتهن.
على أدب اليافعين لدينا أن يخطو خطوات واسعة فيما يقدمه من قضايا تهم المجتمع، حتى يكون أدبًا مؤثرًا صاحب رسالة؛ فالفتيان الذين يُتاح لهم كل شيء على شبكة المعلومات، قد لا يتاح لهم أن يتلمسوا الكثير من القضايا التي تمسُّ حياتهم بشكل مباشر.