منصاتُ دعم أدب الفتيان/الفتيات في الأردن

هيا صالح
كاتبة أردنية
بدايةً؛ لا بدَّ من الإقرار أنَّه لم يتبلور لدينا بعد تعريف وافٍ لمصطلح «أدب الفتيان/ الفتيات»؛ لأنَّ مفهوم «فتى/ فتاة» يتغيّر تبعًا للسياق الثقافي والاجتماعي الحاضن له. وإن كان تم التوافق بشكل عام على أن ما يُقصد بهذا المصطلح هو الأدبُ الموجه للفئة العمرية 12-18 عامًا.
وقد تعزّز هذا التقسيم خلال السنوات الأخيرة، مع تزايد الاهتمام، محليًا وعربيًا، بما يقدَّم لهذه الفئة من أدب، وتنامى بموازاة ذلك الاهتمام من قِبل المؤلفين والكتّاب بالاطلاع على الدراسات التي تتناول هذه الشريحة من المجتمع مركّزة في جلّها على الجانب «التنموي» الذي يمنحها ميزاتها الخاصة؛ فالفتوّةُ/ المراهقة بتعبيرٍ آخر مرحلةٌ توصف بالتطور المتسارع، والتحول التدريجي من الطفولة إلى الرشد، والبحث المحموم عن الذات وتشكيل الهُوية وصولًا إلى نضوجها واستقرارها؛ بمعنى أنَّ فئة الفتوّة فريدة في الحياة، ولها احتياجاتها الخاصة التي ترتبط بنواحٍ عدة؛ من أبرزها الجسدية والفكرية والعاطفية والاجتماعية.
ومن خلال تلبية هذه الاحتياجات، يصبح الأدب الموجه للفتيان/ الفتيات، ذا قيمة، ليس فقط من خلال فنياته وتقنياته، بل أيضًا من خلال علاقته بحياة قرائه، وتلمُّسه لاحتياجاتهم وتركيزه على اهتماماتهم؛ بمعنى أنَّه أدبٌ يعمل بقوّة على تحفيز الفتيان/ الفتيات، على القراءة والإبداع، وتقديم إطار مرجعي لهم يساعدهم في العثور على نماذج يُحتذى بها، وعلى فهم طبيعة العالم المحيط بهم، وتطوير أفكارهم حول الحياة والوجود، ودفعهم للاستزادة من المعرفة، بما يحقّق لهم نموًا نفسيًا سويًا اجتماعيًا وحضاريًا.
• دورُ منصةِ وزارة الثقافة في تطوير أدب الفتيان والفتيات
تُعنى وزارة الثقافة، عبر «مديرية ثقافة الطفل»، بالأدب الموجّه لمختلف فئات الطفولة، ومنها فئة الفتيان/ الفتيات، من خلال ما تتبناه من إصداراتٍ في هذا المجال، يتم إيصالها إلى مختلف أرجاء المملكة، ونذكر منها روايات: «لم أكن أتوقع» لراشد عيسى، و«يخضور ابن الشجرة» لناصر يوسف جابر، و«نفرتاري الرقيم» لصفاء صبحي الحطاب، و«فتاة السحاب» لهدى فاخوري، و«قرش في كأس ماء» لرمزي الغزوي، و«البحث عن الرحيق» لمنصور عمايرة.
كما توجّه الوزارة/ المديرية اهتمامها للفتيان/ الفتيات عبر إفساح المجال لهم للمشاركة في مسابقة الإبداع الطفولي التي تُنظَّم على مستوى المملكة، وتشمل حقول القصة والشعر والرسم والعزف، ويُفتَح باب المشاركة فيها لفئات الطفولة المختلفة، حيث تسلّط المسابقة الضوء على إبداعات هذه المواهب الغضّة التي ستكبر يومًا وتشقُّ طريقها في فضاء الإنجاز.
إلى جانب ذلك، تعقد المديرية ورشًا متخصّصة في هذا المجال، سواء داخل العاصمة أو في المحافظات، ويديرها ويشرف عليها متخصّصون في مجالاتهم، إلى جانب الاهتمام بالرعاية والتوجيه والإرشاد عبر قسم خاص في المديرية تقع على عاتقه مهمة تنظيم الندوات والمحاضرات والورش التدريبية التي تركّز في جلّها على التوعية من مخاطر التنمر، والعنف، وتعزيز القيم الإيجابية كالتسامح وتقبل الآخر.
ومن المشاريع التي تُعنى بها مديرية ثقافة الطفل «مشروع مكتبة الطفل المتنقلة»، التي تقام بالتعاون مع عددٍ من الشركاء وتسعى إلى إيصال الكتاب للأطفال في مختلف مراحلهم العمرية، وفي جميع المحافظات والقرى والأرياف والبوادي، وبما يحقّق توزيعًا عادلًا للمكتسبات الثقافية. وتتيح هذه المكتبة الفرصة للمشاركين بها للاستفادة من أنشطتها، فإلى جانب الكتب والمجلات، يتم توفير خدمة الحاسوب والإنترنت والألعاب التثقيفية، وتقديم العروض الفنية المتنوّعة.
كما تحرص المديرية، بغية تحقيق أهدافها الرامية إلى الارتقاء بإبداع الأطفال ضمن الفئات المختلفة وأبرزها الفتيان/ الفتيات، على توفير جوٍّ من الحرية والانفتاح يتيح لهم خوض تجارب متنوعة في الاكتشاف والمغامرة، وهي تتعاون في هذا المضمار مع مختلف المؤسسات والمراكز الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بثقافة الطفل، وتقيم شراكاتٍ دائمةً معها، تعزّز وتطوّر من هذه الثقافة في جوانبها المختلفة.

 

• دورُ منصة "مؤسسةِ عبد الحميد شومان" في تطوير أدب الفتيان والفتيات.
ونظرًا لذلك، نشطت المنصات المختلفة في مجال الاعتناء بالأدب الموجه لهذه الفئة العمرية، ومنها مؤسسة عبد الحميد شومان، التي وفرت عبر مكتبتها «درب المعرفة» منصة متخصّصة في الكتب الموجهة للأطفال والفتيان/ الفتيات، على اختلاف أعمارهم وخلفياتهم، وامتازت هذه المكتبة بأنَّها توفر، إلى جانب الكتب والإصدارات الحديثة في هذا المجال، مساحةً حرةً وحيويةً يلتقي فيها القرّاء للبحث والاكتشاف وممارسة الأنشطة الإبداعيّة التفاعليّة، التي تحفزهم على تنمية مواهبهم وصقل قدراتهم الخلّاقة، عن طريق تعريضهم للعديد من التجارب الفنيّة والثقافيّة والأدبيّة التي تحفّز أفكارهم وتنمي مشاعرهم وتعزز إبداعاتهم..
وقد توسعت مؤسسة عبد الحميد في مشروعها الرائد «درب المعرفة» من خلال فتح فروعٍ لها في أماكن مختلفة داخل العاصمة وخارجها، بما يلبي احتياجات المناطق البعيدة عن مقر المؤسسة، والوصول إلى الأطراف. ويتضمن هذا المشروعُ محطاتٍ عدة، منها المحطة التي يقودها الفتيان/ الفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و16 سنة. وتكتسب هذه المحطة أهميتها من كونها تركّز على الوسائل اللازمة لتنمية هذه الفئة عبر عدد من الورشات التدريبية، التي تحفّز الفكر والإبداع وتساعد على معرفة أعمق بالذات.
إلى جانب ذلك، أطلقت المؤسسة في عام 2006 جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال، التي يشارك بها كتّاب تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة، للإسهام في الارتقاء بالأدب الموجّه للأطفال ضمن فئاتهم العمرية المختلفة، وذلك لتحقيق الإبداع والتطوير في هذا المجال.
وتركّز الجائزة في كلِّ عام على نوعٍ محدّد من الأدب الموجهة لفئات الطفولة وفي حقول متنوعة. وقد أغنت الجائزة بما طرحته من مضامين وما طرقته من أبواب جديدة في هذا الأدب مكتبة الفتيان/ الفتيات، حيث تُنشر الأعمال الفائزة وتُوزع على نطاقٍ واسع.
كما اهتمت المؤسسة بتنظيم المسابقات الموجهة لليافعين واليافعات؛ مثل مسابقة «16 قبل 16»، وهي مسابقة مفتوحة تقيمها مكتبة «درب المعرفة» بهدف تشجيع هذه الفئة على قراءة الكتب والقصص المتنوعة. كما استحدثت المؤسسة «ماراثون الأطفال واليافعين»، و«ماراثون القراءة»، وجائزة «أبدِع» المتخصصة في المجالات الأدبية والأدائية والفنية، ومجال الابتكار العلمي، وجميعها تهدف إلى المساهمة في الارتقاء بإبداع الأطفال واليافعين، والمساهمة في تنمية عقولهم وصولًا إلى جيل واع بقضايا العصر.