رِباط باقة الورد

قصص: دينا بدر علاء الدين

قاصة أردنية

 

 

رِباط باقة الورد ‏

‏"آه...  ‏

ما أقساكِ أيّتها الوردة. ‏

لن أقطفَ منكِ الكثير؛ فكفاكِ بُخلًا. ‏

الليلة سأحتفي بعيد ميلاد زوجي، وسأضعكِ إكليلًا على جبينه الوضّاء". ‏

سمعها حارس الحديقة الذي كان بالجوار، أخرج هاتفه من جيبه، وزفرات تنهيدة مكبوتة تعلن ‏عن نفسها بالنّظر إلى تلك؛ والتّحبّب إلى أخرى، خاطب زوجته: "أعدّي لنا الليلة جلسة ‏رومانسيّة... ماذا تقولين؟ ستسهرين مع صاحباتك!"، أغلقَ الهاتف مهمهمًا بصوت مقهور: ‏‏"بئس الحظّ حظّي!".‏

وَبِعَيْنٍ حسود نظر إلى باقة الورد بيديّ المرأة، مسح جبينه بيده المتعرِّقة هازئًا: "ربَّما لا يليق ‏بكَ إكليل الورد!".‏

صديقتها التي كانت تنظر إليها وهي عاتبة على نصيبها الذي لم يأتِ بعد، جذبتها قائلة: ‏‏"أصبحتْ لدى زوجكِ أجمل باقة ورد، لنغادر الحديقة". ‏

‏"حبيبتي" قال، وتابع: "اقتربي أكثر، إنّ شذا رائحتكِ يغمرني، وكأنّي في زجاجة عطر ‏باريسيّة، ما هذا؟ من الذي تجرّأ، وجرح براءة يديكِ؟". طبطبَ بشفتَيهِ على يديها فأثار ‏عواصف حبّها وجنونه. ‏

استفاقَ على قُبُلاتها النّديّة، وقبْل أن يصافح الصّباح، طلب منها باقة ورد؛ لتكون نفحة من ‏روحها تزيّن مكتبه. بحث عن خيط يربط به الباقة، فناولته ضاحكة: "هاكَ، ولكن أَعِدْه إليّ؛ ‏فما زال جديدًا".‏

ابتسم مستغربًا: "أبهذا سأربط باقة الورد؟".‏

وقبل الغروب لمحَتْ صديقتها تعْتمر قُبّعة خمريّة، وتسير في الشارع مسرعة، وهي تُطلق ‏ابتسامة صفراء. أنعمَتِ النظر فيها، وكالنّسر أطبقَتْ على يدَيها قائلة: "مُبارك عليكِ زوجي، ‏وباقة الورد، ولكن أعيدي إليّ رِباط حذاء طفلي".‏

 

بائعُ "الخُردةِ"‏

أطلّتْ من نافذتها بشَعرها الأشقر المنكوش، تتلألأ يداها ناصعتين على الرغم من اتّساخهما، ‏وبصوتها المخمليّ نادتْ بائع "الخُردةِ"؛ فانصاع للجَمال مُلبّيًا، وقال لعمّها الذي يتوسَّد فَقْره: ‏‏"سأشتري ما في حوزتك من خُردةٍ ومعها سندريلّا أحلامي، صاحبة الشَّعر الأشقر".‏

تناهى صوتها مُناديًا: "عَمّاه، بالباب صاحب البيت يطلب الأُجرة".‏

ابتسم العمُّ لِطَوق نجاته: "مُبارك عليك الشّقراءُ والخُردة".‏

وبينما يَقبض العمّ ثمن "الصفقة"، هوى جسم من الأعلى، فخرج الاثنان على صوتٍ اغتال ‏سفَر أحلامهما، كان جسمًا رأسُه كسنابل القمح الحُبلى بخيبات الحياة، ارتطم بأرضٍ لوّثَتها ‏أفعال البشر، وتوقّف قلب الشّقراء عن النبض؛ ذاك القلب الذي كان موبوءًا بداء النّقاء.‏

حول مأدبة الغداء، كانت نساء الحيّ ينهشنَ في الجسد المُسجَّى؛ علّها أَحبّت فتًى وغرَّر بها! ‏ربّما شوهدَتْ وهي تقوم بفِعلتها! كأنّ ثيابها ممزّقة؟ كأنّ...؟ ولعلّ! ‏

 

شقاوة

كجناحيْ فراشة تتراقص بدلال خصلات شعرها، اشتمّهما بلطف عندما قالت له: "أعددتُ ‏كوبين من القهوة سنرتشفهما على طريقتنا أيّام الجامعة".‏

ضحك متذكّرًا: "كُنّا نُحضر قهوتنا معنا، ثُمَّ نتطفّل على مقاعد المقاهي".‏

أطال النّظر في عينيها اللتين أمدّتاهُ بحروف كلماته: "كأنّ الزّمن توقّف عند كعب قدميكِ". ‏

قالت بخجل: "وأنتَ ما زلتَ بلون الياسمين ورائحته".‏

أزعجت ضحكاتهما المتمرّدة على معداد السّنين ذاك الموظّف الشّاب الذي استوقفه سيّده قائلًا: ‏‏"دَعْهُما؛ ولنحترم ما يعلو مفرقيهما!".‏

الموظّف الشّاب: "إنّهما مزعجان!".‏

السّيّد: "انظرْ إليهما بقلبكَ".‏

احتضنتْ يديه، أغمضتْ عينيها، همستْ: "هاتان اليدان لطالما... ولطالما...".‏

كانت بائعة متجوّلة بجوار المقهى تتسلّق المارة، وَبِعَيْنِها الخبيرة تنتقي زبونها، اقتربتْ من ‏السيدة، جَثَتْ على رُكْبتيها قائلة: "أرجوكِ يا سيّدتي، اشترِ مِنّي هذا المستحضر السحريّ؛ إنّه ‏لتفتيح البشرة، وشدّ عضلات الوجه، ستبدين أصغر من عمرك بعشر سنين". ‏