الإعلامي الدكتور عمر الخطيب

والأشهر عربيًّا

‏ عامر الصمادي

إعلامي ومدرب دولي ومترجم وكاتب أردني

 

يُعدُّ الإعلامي د.عمر الخطيب رائدًا في برامج المسابقات، وهو من أفضل مقدِّمي تلك ‏البرامج في تاريخ الفضائيات والتلفزيونات العربية والتي كان آخرها البرنامج الشهير‎ ‎‏"بنك المعلومات". بدأ الخطيب مسيرته الإعلامية بالإذاعة الأردنية عام 1959، وهو من ‏القلائل الذين عملوا بالإعلام والتدريس الأكاديمي معًا. وخلال عمله الإذاعي والتلفزيوني ‏قدَّم عددًا كبيرًا من البرامج باللغتين العربية والإنجليزية تنوَّعت بين برامج المسابقات ‏والبرامج الحواريّة، وكان ذا بصمة كبيرة في الإعلام الأردني‎ ‎وعلامة بارزة في تاريخ ‏الإعلام والثقافة العربيّة. ‏

 

لعلَّ جيلنا من الإعلاميين لم يتعرَّف على المذيع الأبرز في مجال المسابقات الثقافيّة ‏الدكتور عمر الخطيب (أبو عزام) إلّا في وقت متأخِّر؛ ويعود سبب ذلك إلى أنه غادر ‏الأردن للعمل في الخليج العربي منذ مدة طويلة ولم يعُد إلّا في منتصف التسعينات لتقديم ‏برنامجه الشهير (بنك المعلومات) لصالح راديو وتلفزيون العرب، والذي صوَّرَ جزءًا ‏كبيرًا منه في العاصمة الأردنيّة عمّان وامتاز بأسلوبه الصارم بالتعامل مع المتسابقين ‏والجديّة في طرح الأسئلة حتى قيل إنه لم يضحك إلّا مرّات قليلة خلال تسجيله لمئات ‏الحلقات من هذا البرنامج الجماهيري.‏

امتاز الخطيب بصوته الجهوريّ القويّ وحماسته العالية للبحث عن المعلومة الصحيحة ‏والإجابة الشافية التي تنفع المتلقي العربي، وتُغذّي العقل المتعطِّش للمعرفة والمنفعة. ‏وكان يُبدي ضجره من المثقف وسخطه عليه حين لا يفهم تخصُّصه ولا يُجيد الإجابة ‏المطلوبة منه، كما يُبدي تشجيعه للشباب واندفاعه بانبهار حين يكتشف موهبة شاب أو ‏شابة في أحد لقاءاته التلفزيونية المثيرة.‏

عُرف عن الإعلامي د.عمر الخطيب بأنه صاحب ثقافة موسوعيّة وحضورٍ طاغٍ أمام ‏الكاميرا، وفي الوقت نفسه هو صاحب روح مرحة دون أن يظهر ذلك على وجهه، لمّاح ‏ذكيّ، دمث الأخلاق ومتواضع، جَمَعَ بين التفوُّق في جانب الممارسة العمليّة والخبرة ‏الإداريّة والتمكُّن من اللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة وجزالة. شخصيّة متفرِّدة ‏بحركات جسده وإيماءاته وتكوينه الصوتيّ، لا ينظر إلى ورقة الإجابة، بل ينطقها بعفويّة ‏وكأنَّ آلاف الإجابات سكنت عقله‎.‎‏ اشتهر بجملته الشهيرة التي كان يعبِّر بها عن إعجابه ‏بإجابة أحد المتسابقين وهي (يا سلام عليك) والتي كان ينطقها بطريقة حماسيّة تجعلها ‏أثمن من الجائزة التي قد يحصل عليها المتسابق.‏

وقد أسعدني الحظ بأنني بدأتُ عملي مع راديو وتلفزيون العرب في الفترة نفسها التي بدأ ‏بها الخطيب في تسجيل برنامج (بنك المعلومات)، وقمتُ بزيارته مرَّة أثناء التسجيل في ‏قصر الثقافة بعمّان، لكنَّها كانت معرفة سطحيّة لم تتكرَّر وجهًا لوجه، إلّا أنني تعلمتُ منه ‏الكثير؛ فقد كنتُ من مُتابعي برنامجه بشكل دائم، كما أنَّ مخرج برنامجه كان المخرج ‏نفسه الذي يُخرج برنامجي، فكان ينقل لي بعضًا من طريقته في العمل وتصرُّفاته وكيفيّة ‏تحضير برنامجه، وبخاصة كيف كان يسهر الليالي لفهم كل سؤال وإجابته ومعرفة كل ‏طرق الحل الممكنة له، أمّا ألعاب الذكاء فقد كان يتدرَّب عليها لعدَّة مرّات مُسبقًا حتى ‏يتقنها تمامًا، لذلك كان المتسابقون يخشونه ولا يجرؤ أحد منهم على مناقشته حول إجابته ‏لأنه سيكون متمكنًا منها.‏

من المعلومات التي قد لا يعرفها كثيرون أنَّ الخطيب هو أستاذ الإعلامي الراحل رافع ‏شاهين ومعلِّمه الأوَّل بتقديم برامج المسابقات، حيث عمل معه رافع شاهين مساعدًا ‏للإعداد أثناء تقديمه لبرامج المسابقات في بدايات التلفزيون الأردني أواخر ستينات القرن ‏الماضي. ‏

أمّا المعلومة الأغرب فهي كيفيّة عمله بالإذاعة الأردنية نهاية الخمسينات، فقد روى لي ‏أحد قدامى العاملين بالإذاعة أنَّ القَدَر كان أبرز عامل في دخول الخطيب إلى العمل ‏الإعلامي، وتتلخَّص القصة بأنَّ "عمر الخطيب" حضر إلى دار الإذاعة بعد افتتاحها ‏بوقت قصير لتقديم طلب للعمل بها، وتمَّت دعوته لإجراء اختبارات التقدُّم للعمل، وكانت ‏وقتها اختبارات صارمة؛ منها اختبارات اللغة العربية والإنجليزية والثقافة العامة ‏واختبارات الصوت والإلقاء والتحرير وغيرها، وبالفعل حضر الخطيب وقدَّمها جميعها، ‏إلّا أنَّ القائمين على الاختبار كان لهم رأي سلبي في أنه لا يصلح للعمل الإذاعي بسبب ‏صوته الذي قالوا إنه ليس إذاعيَّا -وهذا السبب نفسه الذي طعن به بعضهم بالمذيع الكبير ‏جمال ريان يومًا ما- وهكذا اعتذر منه القائمون على الاختبار وطلبوا منه مغادرة الإذاعة ‏لانه لا يصلح، وعندما وصل إلى باب الإذاعة استوقفه الشرطيّ -فقد كانت إجراءات ‏الدخول والخروج إلى مبنى الإذاعة (والتلفزيون فيما بعد) وما زالت إجراءات أمنيّة ‏مشدَّدة- وطلب منه الانتظار لحين دخول شخصيّة مهمّة من الباب الرئيس ثم سيُسمح له ‏بالخروج، وعند دخول تلك الشخصيّة ترجَّل من سيارته واتَّجه نحو غرفة الحَرَس وسلَّم ‏عليهم وبدأ بسؤال الموجودين عن أحوالهم وكيفيّة سير العمل وما إذا كانت هناك عقبات ‏ما تواجههم، إلى أن وصل إلى الشاب الجالس قرب الباب بانتظار السَّماح له بالخروج من ‏الإذاعة حزينًا مكسور الخاطر، سأله ذلك الشخص -الذي بدا أنه مهم جدًا- ماذا يفعل هنا، ‏فأجابه أنه ينتظر السماح له بالخروج بعد أن فشل باختبارات العمل بالإذاعة، سأله بعض ‏الأسئلة ثم طلب منه أن يدخل معه إلى مبنى الإذاعة، فدخل وهو مستغرب جدًا ممّا ‏يحصل، وازدادت حيرته عندما اصطحبه ذلك الشخص المهمّ إلى مكتب مدير الإذاعة ‏حيث تراكَضَ العاملون لفتح الباب والترحيب به، فدخل، وهنا كانت المفاجأة فقد كان هذا ‏الشخص هو مدير الإذاعة بنفسه وصفي التل -رئيس الوزراء فيما بعد- طلب منه الجلوس ‏وطلب له الشاي وبدأ يتجاذب أطراف الحديث معه، وحيرة الخطيب تزداد، إلى أن كانت ‏المفاجأة التي غيَّرت حياته للأبد عندما سأله المرحوم وصفي التل: "هل تستطيع تقديم ‏نشرة أخبار الساعة الثامنة الليلة؟"، وكان هذا إيذانًا بقبوله للعمل، بل ودون تدريب مسبق ‏بقراءة نشرة رئيسة للأخبار، وتمَّ الأمر، فقد كان للمرحوم وصفي التل نظرة لا تخيب ‏بمن يصلحون للعمل، ومن هنا انطلق عمر الخطيب ليصبح فيما بعد أحد أبرز الإعلاميين ‏في العالم العربي، وربَّما لو أنَّ الشرطي سمح له بالخروج سريعًا قبل دخول وصفي التل ‏إلى الإذاعة لما كان عمر الخطيب هو ذلك الإعلامي الذي عرفناه.‏

وُلد المرحوم الدكتور عمر الخطيب في بلدة عين كارم المقدسيّة عام 1930، ونشأ بها ‏وحصل على شهادة المترك الفلسطيني عام 1948، وفي السنة التالية حصل على ما ‏يسمّى "مترك لندن" وعمل بعدها معلمًا في بلدة اسمها الشعراء، ثم واصل دراسته ‏بالجامعة الأميركية بالقاهرة وحصل على البكالوريوس في العلوم الاجتماعية عام ‏‏1956. وفي عام 1963 حصل على الماجستير بالإذاعة والتلفزيون من جامعة ‏سيراكوز الأميركية وأتبعها بالدكتوراه في الإعلام من جامعة أوهايو عام 1972.‏

بدأت مسيرته العملية بالإذاعة الأردنية عام 1959، وبعد فترة وجيزة أصبح رئيسًا لقسم ‏الإنتاج وكبيرًا للمذيعين حتى عام 1962، ثم رُقِّي ليصبح مراقبًا عامًا للبرامج بالإذاعة ‏الأردنية حتى عام 1964، غادر بعدها إلى المملكة العربية السعودية للعمل مستشارًا ‏لشؤون الإذاعة والتلفزيون، وبقي هناك حتى عام 1967 وهو العام الذي بدأ به تأسيس ‏التلفزيون الأردني حيث تم استدعاؤه للمساعدة بالتأسيس، فعاد وعمل مع مؤسِّسه محمد ‏كمال وفريقة كمدير عام مساعد إلى أن تمَّ افتتاح التلفزيون بداية عام 1968، وفي عام ‏‏1969 غادر إلى أبو ظبي ليصبح مديرًا عامًا للإذاعة والتلفزيون هناك. وفي عام ‏‏1972 عُيِّن مديرًا لمكتب الجامعة العربية للإعلام في جنوب غرب الولايات المتحدة ‏‏(دالاس- تكساس). وعاد عام 1975 ليُعيَّن مستشارًا لوزارة الإعلام والثقافة بدولة ‏الإمارات العربية المتحدة حتى عام 1977.‏

 

مسيرته الأكاديميّة

بعد حصوله على الدكتوراه عمل عمر الخطيب أستاذًا في عدد من الجامعات الأردنية ‏والعربية، وعلى فترات متقطّعة كان يتخللها تعيينه ببعض المناصب. ومن الجامعات التي ‏عمل بها:‏

‏-‏‎ ‎‏ أستاذ إعلام بالجامعة الأردنية (1973- 1975) و(1977- 1978).‏

‏-‏‎ ‎‏ أستاذ إعلام بجامعة الملك سعود (1978- 1985).‏

‏-‏‎ ‎‏ أستاذ إعلام زائر بجامعة ستانفورد- الولايات المتحدة (1985- 1986).‏

وقد حقَّق د.عمر الخطيب نجاحًا بارزًا أثناء عمله أستاذًا زائرًا بجامعة ستانفورد في ‏الولايات المتحدة الأميركية لشرح قضيّته الفلسطينيّة أمام طلّابه الأميركيين. وكان الراحل ‏عمر الخطيب في محاضراته ومن خلال المنابر الثقافيّة التي اعتلاها  ينطلق من وطنيّة ‏صادقة؛ فهو ابن القدس البارّ الذي عرف شوارعها وحاراتها العربيّة المقدسيّة في يفاعته ‏وأثناء دراسته الابتدائية، لذا كانت مُنطلقاته الثقافيّة تنبع عن تجربة وخبرة وعلم في ‏التاريخ والجغرافيا الأمر الذي جعل نجاحه أكيدًا وموثَّقًا.‏

وهكذا نجد أنَّ عمر الخطيب كان من القلائل من الإعلاميّين الذين عملوا بالإعلام ‏والتدريس الأكاديمي معًا في الوقت الذي لم يكن هناك كلية للإعلام بالأردن، فقد أنشئت ‏أوَّل كلية للصحافة والإعلام بجامعة اليرموك عام 1980، وكان هناك تدريس لبعض ‏المساقات الإعلامية بالجامعة الأردنية دون وجود تخصُّص.‏

 

مؤلَّفاته المنشورة

يُعتبر الدكتور عمر الخطيب أغزر الإعلاميين إنتاجًا في التأليف، فقد أصدر عددًا كبيرًا ‏من الكتب المتخصصة بالإعلام باللغتين العربية والإنجليزية التي كان يتقنها بشكل كبير ‏لاسيّما وأنه عمل مدرِّسًا للإعلام في إحدى الجامعات الأميركية. ومن هذه الكتب التي ‏استطعتُ إحصاءها:‏

‏-‏ الإعلام التنموي (كتاب)‏‎.‎

‏-‏ الاتصال الجماهيري (كتاب مترجم)‏‎.‎

‏-‏ تحليل اتجاهات تطوُّر وسائل الإذاعة (الراديو والتلفزيون) في العالم الثالث خلال ‏العقدين الماضيين (بالإنجليزية)‏‎.‎

‏-‏ جمهور التلفزيون التجاري وديمقراطية الثقافة (بالإنجليزية)‏‎.‎

‏-‏ تأثير التلفزيون الأميركي في الخارج: إمبرياليّة الوسائل (بالإنجليزية)‏‎.‎

‏-‏ رقابة البرنامج التلفزيوني في المجتمع الأميركي (بالإنجليزية)‏‎.‎

‏-‏ التلفزيون والمسؤولية الثقافية في المجتمع العربي الحديث (بالإنجليزية)‏‎.‎

‏-‏ أنماط عالمية في التنمية الإعلامية (بالإنجليزية)‏‎.‎

‏-‏ فكرة التنمية ومشكلات تحديد مفهومها (بالإنجليزية)‏‎.‎

‏-‏ الصحافة الغربيّة وأسطورة الموضوعيّة (بالعربية)‏‎.‎

‏-‏ التعليم عبر نظم الائتمان عن بُعد (بالعربية)‏‎.‎

‏-‏ الاستشعار عن بُعد: الأطراف والدّلالات والقضايا (بالعربية)‏‎.‎

‏-‏ التدفُّق الدولي للأخبار: النمط والاتجاه (بالعربية)‏‎.‎

 

مسيرته الإعلاميّة

خلال عمله قدَّم الخطيب عددًا كبيرًا من البرامج باللغتين العربية والإنجليزية تنوَّعت بين ‏برامج المسابقات والبرامج الحواريّة، وكان ذا بصمة كبيرة في الإعلام الأردني‎ ‎وعلامة ‏بارزة في تاريخ الإعلام والثقافة العربيّة. وعلى مدى تاريخ حافل بالعطاء والتميُّز قدَّم ‏العديد من البرامج المحلية والعربية التي لاقت نجاحًا منقطع النظير، وأثَّرَ في وجدان ‏الملايين من المثقفين العرب من خلال برامجه الشيّقة التي أضاف لها الخطيب سحرًا ‏خاصًا بأسلوبه البارع وشخصيّته الكاريزميّة، ويُعدُ رائدًا في برامج المسابقات ومن ‏أفضل مقدِّمي تلك البرامج في تاريخ الفضائيات والتلفزيونات العربية، والتي كان آخرها ‏البرنامج الشهير‎ ‎‏"بنك المعلومات".‏

قدَّم الخطيب عددًا من البرامج التلفزيونيّة والإذاعيّة من أشهرها‎:‎

‏-‏ إعداد وتقديم برنامج المسابقات التلفزيوني "فكِّر واربح" الذي عُرض في كل من ‏الأردن والسعودية ومصر والإمارات وقطر‎.‎

‏-‏ إعداد وتقديم برنامج الندوة التلفزيونية (حوار)‏‎.‎

‏-‏ إعداد وتقديم البرنامج الإذاعي (أنتَ وحظَّك)‏‎.‎

‏-‏ إعداد وتقديم برنامج الندوة التلفزيونية‎ FORUM ‎باللغة الإنجليزية‎.‎

‏-‏ إعداد وتقديم برنامج المسابقات التلفزيوني الشهير (بنك المعلومات)‏‎ ‎على محطة ‏تلفزيون شبكة راديو وتلفزيون العرب‎ (ART) ‎والذي قُدِّم في أكثر من محطة ‏تلفزيونية وفضائية عربية وحظي باهتمام الجمهور العربي آنذاك، وقد لقي نجاحًا ‏كبيرًا، وقدَّم الخطيب من خلاله الكثير من المعلومات القيِّمة، وأثبت أنَّ الشباب ‏العربي واعٍ ومثقف. وما تزال أصداء ذلك البرنامج الضخم تتردَّد إلى يومنا هذا، ‏وما زالت محطة راديو وتلفزيون العرب تعيد بثّه على بعض قنواتها الموجَّهه إلى ‏أميركا وأوروبا.‏

‏***‏

توفي د.عمر الخطيب رحمه الله في عمّان بتاريخ 7/12/2007 عن سبعة وسبعين عامًا ‏إثر مرض لم يمهله طويلًا، ودُفن بمقبرة أم الحيران القريبة من التلفزيون الأردني، وقد ‏نعاه التلفزيون والإذاعة الأردنية فهو من المؤسسين الأوائل لهما.‏