الحصانُ والعربة إِضاءات على مشهد نقد الشعر في الأُردن

د. ناصر شبانه

شاعر وأكاديمي أردني

 

 

بالنَّظر في مآلات النقد والنقاد بعد مئة عام من نقد الشعر في الأردن، فإنَّ كاتب هذه الدراسة ‏يرى أنَّ الشعر في الأردن يسبق النقد بأشواط، حتى بات الشاعر كاليتيم الذي لا أب له، فهو في ‏المقدمة، وعربة النقد خلفه تسير مثقلة بأكداس من الإرث الثقيل والمقولات النقديّة الجافة، ‏والكلاشيهات المكرورة، حتى بات الشعر لدينا بحاجة إلى حركة إحياء جديدة كالتي شهدتها ‏الحركة الشعريّة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، والنقد كذلك.‏

 

مهـــــــــــاد

ليس هدف هذه الورقة النقدية هو التتبُّع التاريخي لواقع نقد الشعر في الأردن خلال المئة عام ‏الفائتة، فذلك ممّا حفلت به المصادر المتعددة، والمظان المتنوعة من كتب مؤلَّفة، أو بحوث ‏متخصصة، أو حتى أوراق عمل قُدِّمت في الندوات والمحاضرات، وإنَّما الغاية هنا النَّظر في ‏النتائج والمآلات التي آلت إليها الحالة النقدية الأردنية، فالأعمال بخواتيمها، والنقود بمآلاتها ‏ونتائجها، ولهذا تسعى هذه الورقة إلى تقديم تصوُّر نهائي للمشهد النقدي يمثِّل عصارة النظر في ‏المسارات النقدية المختلفة، وخلاصة عامة لِما آل إليه النقد والنقاد بعد مئة عام من نقد الشعر في ‏الأردن.‏

ثمّة علاقة لا تنفصم عراها بين الشعر والنقد منذ وُجِدا، وليس ثمّة من جدوى تذكر للحديث عن ‏أسبقية أحدهما على الآخر، فهل الشاعر سابق للناقد أم العكس، ومن الذي يتبع الآخر؟ إنه سؤال ‏البيضة والدجاجة، غير أننا لا نتصور إبداعًا شعريًا من غير نقد، كما أننا لا يمكن لنا تصور نقد ‏من غير إبداع، فكلاهما ضروري للآخر وفي علاقة جدلية معه، غير أنَّ الإبداع أساس النقد ‏ومنطلقه وسبب بقائه، أمّا النقد فهو تارة يمثِّل العربة، وتارة يؤدّي دور الحصان.‏

ونقد الشعر في الأردن ظلَّ يمثل دور العربة غالبًا، فالشاعر أولًا، والناقد هو المعقّب والمعلّق، ‏ليغدو النقد هامشًا على المتن، أو حاشية على النص، إذ لم يفكر الناقد الأردني بقيادة الركب ‏الشعري، أو الأخذ بزمام الشاعر لقيادته إلى برّ أمان العملية الشعرية، لم يفكر الناقد بصنع المبدع ‏أو متابعته أو تمهيد طريق الشعر أمامه، فكان دوره تاليًا، وكانت نظرته جزئيّة محدودة، ولم ‏ينظر فيما يمكن أن يكون عليه الشاعر في مستقبله أو غده، فظلَّ النقد بعيدًا عن دارات الرُّؤية ‏الاستشرافيّة التي تصنع المبدع أو توجِّهه، أو تروّجه، فبات الناقد واصفًا للنص في أحسن ‏الحالات، وفي أسوئها بات مهرّجًا يتقن الرقص على حبال الشعر.‏

النقد التأسيسي

وعودًا على بدء، فقد كان النقد التأسيسي أو ما أسمّيه "نقد المجالس"، هو البداية الأولى للحراك ‏النقدي في الأردن منذ تأسيس الإمارة، ولمّا كان الشعر النوع الأدبي الأوّل الذي واكب تأسيس ‏المملكة، فمن الطبيعي أن يكون النقد مصاحبًا ومرافقًا لهذه الحالة الشعرية، فقد كان الأمير ‏المؤسِّس عبدالله الأوَّل ابن الحسين شاعرًا ومحبًا للشعر ومتذوقًا له، وله ديوان شعري مطبوع، ‏يحوي بين دفتيه قصائده كلها، وقد انقسم شعره بين قصائد كاملة أو معارضات شعرية أو أبيات ‏مجازة ومقطوعات مرتجلة، وقد جمع الأمير حوله الشعراء منذ بزوغ قمر الإمارة، فقرَّبهم إليه، ‏وعقد لهم مجلسًا يتبادلون فيه الشعر، ويتعاطون فيه ما يشبه النقد الشفوي والانطباعي الذي شكَّل ‏البؤرة الأساسية للمشهد النقدي في الأردن.‏

حصان الشيخ وعربة الشعر

على الرّغم ممّا أسلفنا، فثمّة دومًا مَن يخرج على القاعدة، ويكسر الثابت، ثمّة مَن يقود الركب، ‏ويخالف السائد، ويمتدّ بنظرته الاستشرافية إلى البعيد، ثمّة ظاهرة نقدية اسمها "إحسان عباس" ‏ينبغي الاحتفال بها والالتفات إليها، ولا يمكن أن تكتمل صورة المشهد النقدي إلا بها، نعم ليس ‏على أحد أن يستغرب أو يلوي عنقه تعبيرًا عن عدم الرضا، فقد مرَّ إحسان عباس من هنا، بل ‏لقد مكث بيننا، وألفناه وألفنا، ولم تشغله اهتماماته العديدة عنا، فقد درّس في الجامعة الأردنية، ‏وقد تتلمذنا عليه وهذا شرف لا يدانيه شرف، وقد تلقفنا مقولاته النقدية، وما دراساتنا النقدية التي ‏أنجزناها على الشعر الأردني سوى بعض أفضاله وإلهامه، وحسب النقد الأردني أنه حظي ‏ببعض بركات شيخ النقاد، لقد عجبتُ أشد العجب بعد أن أهديته مجموعتي الشعرية الأولى ‏‏"شقوق التراب" بفترة، حين أطلعني على سرّ أفرح قلبي وأثار استغرابي في الآن نفسه، وقد ‏خرج السرّ إلى العلن بعد نشره -رحمه الله- بحثًا عن قصيدة لي في الديوان في مجلة جامعة ‏البتراء الخاصة، وما سقتُ ذلك إلا لكي أقول: إنَّ إحسان عباس على عظم انشغالاته النقدية لم ‏يغفل عن شعراء الأردن، فواكب الحركة الشعرية وكتب عنها، واحتفى بشعرائها الجادين، ‏وأسقط من حساباته خَبَثَ الشعر وأدعياءه.‏

النقد الأكاديمي وأسوار الجامعات

لا يخفى على ذي لب دور النقد الأكاديمي في رفد المشهد النقدي الأردني للشعر، فقد كان قسم ‏اللغة العربية هو أوّل قسم يفتتح في الجامعة الأردنية بعد تأسيسها في مطلع الستينات من القرن ‏المنصرم، ومعه بدأت حركة النقد الأكاديمي في الظهور، وينبغي لنا التفريق بادئًا بين مدرِّس ‏النقد أو أستاذ النقد والناقد، فالأوّل ليس أكثر من مدرِّس يتحدَّث عن النقد وليس فيه، فممارسته ‏مدرسية قوامها تعريف التلاميذ بالاتجاهات النقدية، أمّا الناقد فهو مختلف تمامًا، إنه يخرج من ‏الثوب المدرسي التعليمي، ويمارس النقد تنظيرًا وتطبيقًا، ولديه مراس في المغامرة القرائيّة، ‏ولديه الموهبة اللازمة لممارسة النقد، فالنقد عمل إبداعي يحتاج الموهبة والخبرة والمران ‏والممارسة، كما أنَّ من شروطه "الموضوعيّة" و"عدم التحيُّز".‏

ويُعدُّ النقاد قلّة بالمقارنة مع مدرّسي النقد الذين يشكلون الأغلبية، فمن بين كل مئة من مدرسي ‏النقد لا تكاد تجد ناقدًا واحدًا يمتلك الشروط اللازمة للممارسة النقدية والمغامرة القرائيّة.‏

وكان من نتيجة هذا الخلط المريب أنْ وجدنا أنَّ أكثر مدرّسي النقد كانوا إمّا معزولين عن التجربة ‏الإبداعية الشعرية في الأردن، ويكررون بعض المقولات النقدية التي درسوها وهم طلبة، أو ‏طالعوها في كتب النقاد الآخرين، وإمّا أَنهم أَوهموا أنفسهم بقدرتهم على ممارسة النقد فراحوا ‏يؤدّون دورًا ليس بدورهم، ويلبسون ثيابًا ليست على مقاسهم، فكان ذلك جزءًا من التشوُّه النقدي ‏الماثل أمام أعيننا حتى الآن.‏

لقد ظهر في قسم اللغة العربية في الجامعة الأردنية باكورة النقد الأكاديمي، وظهرت ثلة من النقاد ‏الكبار الذين أدّوا دورًا مهمًّا على الساحة النقدية المحلية والعربية، كإحسان عباس وناصرالدين ‏الأسد ومحمود السمرة وهاشم ياغي وعبدالرحمن ياغي ثم خالد الكركي وإبراهيم السعافين ‏وإبراهيم خليل، وشكري الماضي وغيرهم ممن انشغلوا بالشعر الأردني على غير صعيد، وحين ‏تقاعد معظم هؤلاء أو اختارهم الله إلى جواره، تركوا أماكنهم شاغرة فملأها عدد من مدرسي ‏النقد الذين عجزوا عن ملء مكان هؤلاء النقاد، فتراجع برحيلهم النقد الأكاديمي.‏

ثم ظهرت جامعة اليرموك فظهر فيها ثلة من النقاد الكبار من أمثال عبدالقادر الرباعي وخليل ‏الشيخ وزياد الزعبي وعلي الشرع والعديد من الأسماء التي أثْرت المشهد النقدي ورفدته بالعديد ‏من الكتب والمقالات والبحوث والدراسات والمؤتمرات التي سلطت جزءًا من اهتماماتها على ‏الشعر في الأردن.‏

وقد كان للنقد الأكاديمي مزاياه من حيث توفر المنبر النقدي والإمكانات الجامعية التي رفدت ‏العمل النقدي بمستلزماته، كالقاعات والمجلات المتخصصة، والبحث العلمي والإمكانات المادية، ‏وتوفر القاعات للمؤتمرات والندوات، وتوفر الجمهور المتخصص من الطلبة.‏

وعلى الرغم من الأسوار العالية التي أحاطت الجامعات بها نفسها فعزلت نفسها عن المجتمع، ‏غير أنَّ أقسام اللغة العربية في الجامعات ظلّت تحاول كسر هذه العزلة، وإقامة جسور التواصل ‏مع فئات المجتمع، فظهرت الفعاليات الثقافية، والأمسيات الشعرية والنقدية، مما يحسب في ‏رصيد العملية النقدية.‏

لقد كان النقد الأكاديمي يتَّسم بالمسؤولية والمنهجية، وقد كان لمتطلبات الترقية لأعضاء هيئة ‏التدريس دور رئيس في النشاط البحثي، وفي كثرة البحوث والدراسات التي تتناول الشعر في ‏الأردن، ولا يخفى أنَّ هذه الدراسات تخضع للتحكيم كشرط للترقية، ويتم إجراء تعديلات عليها ‏قبل نشرها، وهو ما يسمح بغربلة النتاج النقدي الجامعي قبل نشره، على النقيض من أنواع النقد ‏الأخرى التي تنتشر كالفطر دون حسيب أو رقيب.‏

النقد الصحفي وفوضى النقد

وعن النقد الصحفي وما رافقه من فوضى النقد فأشير إلى دور الصحافة المحوري في انتشار ‏النقد وسيرورته، وخدمة المبدعين نقديًا، فهي إذا قارنّاها بالكتاب كانت الأوسع انتشارًا، والأكثر ‏عددًا والأبسط في أسلوبها ولغتها، والأقرب إلى الناس وأذواقهم، والأيسر وصولًا إلى طوائفهم ‏وأماكنهم المختلفة، كما أنها الأقل ثمنًا والأكثر تنوعًا، فلا نجادل في فوائدها إذا هي استعملت ‏خير استعمال، وإذا كتب فيها مَن هو مؤهَّل للكتابة، ونقد على صفحاتها مَن هو جدير بالنقد قادر ‏عليه.‏

ومع ظهور الصحافة في عالمنا العربي راح النقد ينتشر أفقيًا من خلال المقالات النقدية ‏والدراسات، ولا مشكلة في النقد الصحفي حين يمارسه نقاد متخصصون مؤهلون أكفاء، لكن ‏المشكلة حين يتوهَّم صحفي عابر امتلك مساحة صحفية أنه ناقد، ويروّج لأعمال إبداعية بطريقة ‏غير منهجية ولا موضوعية، ويهاجم أخرى لموقف من مبدعها، ممّا يروّج للتزييف والضلال ‏النقدي، وقد رأينا صحفيين صغارًا راحوا يروّجون لأنفسهم عبر مساحتهم الصحفية، وراحوا ‏يوهمون المبدع بأنهم صانعو نجوميّته، فسلّم أمره لهم حتى فقد بوصلته، وقد رأينا طائفة من ‏هؤلاء الصحفيين يدعون إلى الأمسيات والندوات والمؤتمرات، ويؤلفون الكتب، ويعدون ‏الدراسات، بما يسيء للنقد في الأردن وللمبدعين أنفسهم.‏

ولعلَّ من الأعراض المَرَضيّة للنقد الصحفي أنه يدفع بالناقد إلى إجهاض مشروعه النقدي في ‏مقالة محدودة، أو يشوّه رؤيته النقدية بدراسة عابرة سريعة يقدّمها لمحاضرة أو ندوة، ولم ينج ‏من هذا الفخ حتى بعض أساتذة النقد الأكاديمي الذين أغراهم بريق الصحافة، فراحوا يكتبون ‏المقالات الصحفية العابرة حول هذا المبدع أو ذاك، والأدهى من ذلك أنهم عدّوا هذا الصنيع نتاجًا ‏نقديًا يُعتد به، فراحوا يجمعون مقالاتهم السطحية ويصدرونها في كتب دون رابط بينها، ويطلقون ‏عليه الأسماء والعناوين البرّاقة، فبات لهم العشرات من المؤلفات التي لا يقرؤها أحد.‏

إنَّ النقد الصحفي قد جنى على النقد الصحيح، وزاد في عدد الأدعياء وانتشارهم في ساحة النقد، ‏حتى باتوا ينافسون النقاد الكبار، ويزاحمونهم في الفعاليات النقدية، ولعلّ في مهرجان جرش ‏وفعاليّاته الثقافية خير مثال على ذلك، حين يُدعى بعض الأدعياء الذين يعملون في الصحافة إلى ‏الفعاليات الثقافية جنبًا إلى جنب مع النقاد الكبار، هذا إذا وجد هؤلاء النقاد الكبار فرصتهم لإبداء ‏رأيهم النقدي في هذا الموسم، ممّا جعل النقد الحقيقي يتراجع لصالح النقد الزائف.‏

لقد فتح وجود هؤلاء على مساحات النقد الصحفي الباب للمغالاة في الذم أو المدح، والتشهير ‏بالخصم، أو التطرُّف في المدح والنفاق، حتى بات النقد تصفية حساب، فالمبدع إمّا شيطان أو ‏ملاك، وإذا نحن نرى الصغير الذي لا يفكّ الحرف شاعرًا لامعًا لا يُشق له غبار، وإذا الشاعر ‏الحقيقي منزو في مكان معتم لا يلتفت إليه أحد. ‏

وسائل التواصل وضياع البوصلة

والآن، تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الدور ولكن بطريقة أكثر رعونة وأقل حياء، ‏فبالإضافة إلى كل ما سبق رأينا السّطو على جهود الآخرين ينتشر انتشار النار في الهشيم، حتى ‏بين الأكاديميين، فثمة رسائل جامعية تُسرق، وثمة أبحاث ترقية يتم وضع اليد عليها، وثمة ‏أبحاث مشتركة وعائلية يكتبها أحدهم ويشترك معه في نشرها شخص آخر أو أكثر للحصول على ‏ترقية زائفة وبلا تعب، وما أكثر هؤلاء اللصوص، الذين أصبحوا نقادًا بالصُّدفة، بل بالسَّرقة ‏والتَّزوير، في فساد أخلاقي وعلمي مخزٍ.‏

لقد أفسدت وسائل التواصل الاجتماعي الشعر والنقد على سواء، على ما قدّمته هذه الوسائل من ‏خدمة للنقاد والدارسين، من توفير الكتب والدراسات، والمؤلفات والبحوث على محرّكات البحث ‏ووسائل التواصل، غير أنَّ الأعراض الجانبية لها جد خطيرة، وما عدنا نميز الشاعر الجاد من ‏سواه، وحتى الروابط والجمعيات كرابطة الكتاب الأردنيين وجمعية النقاد الأردنيين وسواها ‏وقعت في الفخ، وكثر فيها الأدعياء، وبدلًا من تحكيك النتاج النقدي، وبيان المصلح من المفسد، ‏رأيناها تركب الموجة، وتجاري الصرعة، وتمنح العضوية بناء على عمل نقدي غير موضوعي ‏لفلان، وتحجبها عن فلان، في عمل تحكمه المصالح والشلليّة في كثير من الأحيان.‏

إنَّ المشهد النقدي الآن يعاني من غياب واضح للنقد الحقيقي والجاد، الذي انحسر داخل أسوار ‏الجامعات، وتأتي جديّته من عمليات التحكيم التي تحيط به للرسائل الجامعية وبحوث الترقية، كما ‏أنَّ هذا الكم الكبير من الشعر، والعدد الكبير من الشعراء الذي يتكاثرون كالفطر لا تجاريه حركة ‏نقدية حقيقية، فبات الشعر بلا حركة تفرز الغث من السمين، وتبيّن الشاعر من المتشاعر، وترفع ‏أسوار الشعر لكي لا يقفز إليه الأدعياء، فقد استسهل هؤلاء كتابة الشعر، وبخاصة مع ظهور ‏قصيدة النثر، ورفع الوزن من شروط الكتابة الشعرية، فبات كل مَن يكتب نثرًا رديئًا يمكن أن ‏يكون شاعرًا، وقد بات المنبر متاحًا لنشر هذياناته ورداءته، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ‏وبات من أدعياء النقد ما يروجون لرداءة الرديء، وإساءة المسيء.‏

وفي المقابل، فإنَّ ثمّة تجارب شعرية واعدة لم تجد من النقاد مَن يلتفت إليها، فهي مركونة في ‏زاوية معتمة من زوايا البيت الشعري، وعانى شعراء كثر من غياب الروافع النقدية، والإعلام ‏الجاد الذي يبشر بتجاربهم الشعرية، فانزوى الشعر الحقيقي، واعتزل الشعراء الحقيقيون، ورحنا ‏نتعامل مع "فزاعات شعرية" وهمية يظل بينها وبين الشعر الحقيقي أمد بعيد.‏

ومع ذلك فالشعر في الأردن يسبق النقد بأشواط، حتى بات الشعراء كاليتيم الذي لا أب له، فهو ‏في المقدمة، وعربة النقد خلفه تسير مثقلة بأكداس من الإرث الثقيل والمقولات النقدية الجافة، ‏والكلاشيهات المكرورة، حتى بات الشعر لدينا بحاجة إلى حركة إحياء جديدة كالتي شهدتها ‏الحركة الشعرية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. والنقد كذلك.‏