الوباء في الفن التشكيلي من الطاعون إلى الكورونا

غازي انعــيم

كاتب وفنان تشكيلي أردني

ghaziinaim@gmail.com

 

مثلما كانت الأوبئة عبر التاريخ مادة خصبة للكُتُّاب، فإنها كذلك كانت مادة خصبة ‏للفنانين التشكيليين الذين وثَّقوا هول الفاجعة بملامح جماليّة جديدة، لتبقى في ذاكرة ‏الأجيال القادمة، فالميزة الأهم للفنان تكمن في قدرته على التعبير، وتجسيد ما يشعر به ‏الآخرون ولا يقدرون على وصفه. أمّا عربيـًّا فقد تفاعل الفنانون مع الظروف ‏الصحيّة التي صاحبت انتشار فيروس "كورونا"، فاستثمروا الوقت خلال الحظر ‏تطبيقـًا لشعار "خلّيك في البيت" وحاولوا تحدّي رعب الوباء بالفنّ.‏

 

عرفت البشريَّة على مرّ العصور أوبئةً كثيرة مثل: الطاعون، والكوليرا، والإنفلونزا ‏الإسبانية، والإيدز، وكورونا- كوفيد 19.. وغيرها من الأوبئة الفتاكة التي تركت آثارًا ‏سلبيّة على المجتمعات البشريّة، وتسبّبت في تغيُّرات ديموغرافية واجتماعية ‏واقتصادية غيَّرت مجرى التاريخ.. وهذا جعل البشر يفكرون في أسئلة أكبر عن الحياة ‏والوجود.. لا سيما أنَّ الأوبئة تسبَّبت بقتل أعداد كبيرة منهم، وأصابتهم بالرعب، ‏وحوّلت مدنهم إلى أشباح، وضربت اقتصادهم، كما تسبَّبت عبر التاريخ بهزيمة ‏إمبراطوريات كبرى.. أوبئة لم تأخذ في حسابها العمر والجنس والدين والطائفة ‏والمذهب والوضع الاجتماعي للدول، أوبئة أثَّرت بشكل كبير على ثقافة العالم، ‏فحفّزت على الاكتشافات العلمية والطبية وكذلك على الفن الذي قام بتوثيقها بالخط ‏واللون؛ إذ لا يمكن فصل الفن عن الحياة، وما يحدث فيها من أحداث كبرى، سواء ‏كانت حروبـًا أو كوارث طبيعية، أو انتشارًا لمرض ما..‏

فكما كانت الأوبئة عبر التاريخ مادة خصبة للكتُّاب، فإنها كذلك كانت مادة خصبة ‏للفنانين التشكيليين الذين لم يتأخروا عن مواكبة ما ألمَّ بالبشرية من أوبئة فتاكة، ليس ‏بمعنى التغني بالألم، وإنَّما لتوثيق هول الفاجعة بملامح جمالية جديدة، لتبقى في ذاكرة ‏الأجيال القادمة.. لا سيما أن الميزة الأهم للفنان تكمن في قدرته على التعبير، وتجسيد ‏ما يشعر به الآخرون ولا يقدرون على وصفه.‏

ويعتبر وباء الطاعون الذي انتشر في أوروبا بين أواخر القرن الرابع عشر والقرن ‏السابع عشر الذي تسبَّب بِموت ربع سكان الأرض، وساهم في إفراغ مدن عديدة من ‏سكانها وتسبَّب في انهيار عظمة بعضها؛ من الأوبئة التي أثَّرت بشكل كبير على ‏الفنون الأوروبية؛ وقد استحوذت في ذلك الوقت فكرة "نهاية العالم"، فظهرت على ‏مسطحات الأعمال الفنية رموز الموت واليأس والحزن والدمار، بقيت آثارها في خيال ‏الفنانين لعقود من الزمن.. ومن الفنانين الذين تناولوا على مسطحات لوحاتهم وباء ‏الطاعون الذي ضرب المنطقة العربية، الفنان الفرنسي "أنطوان جان جروس" ‏‏(1771– 1835)، في لوحة "نابليون في زيارة لجنوده في يافا" حيث صوّر ‏‏"جروس" نابليون بونابرت أثناء زيارته لجنوده المصابين بالطاعون، في شهر آذار/ ‏مارس 1799م، من أجل زرع الأمل في نفوسهم وكذلك رفع معنويّاتهم، وقد رُسِمَ ‏نابليون على خلفية تشبه المسرح، في أحد مساجد يافا الذي تحوّل إلى مستشفى للجنود ‏الفرنسيين المصابين بالطاعون، وأراد الفنان "جروس" أن يكون نابليون في مركز ‏اللوحة لشد أنظار جنوده، وهو في وسط هالة من الضوء يضع يده على ورم أحد ‏المرضى الواقفين، بينما يحاول الطبيب العسكري "رينيه" ثنيه عن هذا الفعل، وفي ‏الخلف من نابليون يقف صديقه "جان بابتيست بيسيربس" وهو يغلق فمه وأنفه ‏بمنديل، وفي اللوحة بعض العرب الذين يوزعون الطعام على المرضى، أمّا بقيّة ‏الجنود سواء كانوا جالسين أو يفترشون الأرض بثياب أو بلا ثياب، فهم أضعف من ‏أن يلتفتوا نحو قائدهم الذي جاء لرفع معنويّاتهم المنهارة؛ ولم يكن هناك طريقة أخرى ‏لإخلائهم ومغادرة يافا سوى التخلص منهم من خلال إعطائهم السم..‏

ركَّز الفنان "جروس" في تصويره لهذه اللوحة على نابليون وجنوده في حالاتهم ‏ووضعياتهم المختلفة التي تعكس معاناتهم وهم على أرض ليست أرضهم، مبيّنـًا ‏خوفهم من الموت وعدم العودة لوطنهم... كما نقل لنا كيف كانت العمارة الإسلامية ‏في تلك الفترة من خلال المسجد الذي تظهر من خلاله أحد أحياء مدينة يافا التي تلوح ‏في أفق اللوحة... ‏

استخدم "جروس" في اللوحة ألوانـًا متباينة ومنسجمة في هارمونية بالغة العذوبة ‏والجمال، كما تعامل مع الضوء وفق المنهج الأكاديمي، فالضوء من مصدر واحد، ‏وظلال الأجسام تسقط على الأرض بالزاوية المناسبة مع مصدر الضوء.. وتكوين ‏اللوحة جاء راسخ البناء، فالثقل يتمثل في الأرضية من اللوحة، وكذلك من الجانبين، ‏أما الجزء العلوي فيتضمَّن الفراغ الذي يتوازن ويتآلف مع الكتل.‏

وهناك عشرات اللوحات التي تناولت وباء الطاعون لكن خير من عبّر عنه الفنان ‏الهولندي "بيتر بروغل" (1525– 1569) الذي تناوله في لوحته الموسومه ‏بـِـ"انتصار الموت" وهي تُصنّف على أنها إحدى أفظع الصور في تاريخ الفن ‏التشكيلي. ‏

أظهر"بروغل" في هذه اللوحة البانورامية المليئة بالجثث والدمار والخراب وكأنها ‏القيامة، جيشـًا من الهياكل العظمية، يعيث فسادًا، ويقتل الناس بلا تمييز ودون شفقة، ‏أو رحمة، حتى التفاصيل الجغرافيّة للمكان لا تشي سوى بالموت والخراب: النهر، ‏الشاطئ، الأشجار، الطيور، الحيوانات، الأسماك في البركة. ووسط هذه الفوضى ‏العارمة، يحاول الناس الهرب، بينما يقرر بعضهم أن يقاتل، لكن بيأس وبلا أمل.‏

الحرب هنا ليست عادلة ولا متكافئة. ويبدو أن لا سبيل لوقف جيش الموت وهو ‏‏"الطاعون" من التقدُّم وحصد المزيد من الأرواح.. فهذا الجيش الذي يتكوّن من الهياكل ‏العظمية لا يميّز بين الضحايا ولا يفرق بين ملك أو فلاح أو نبيل، أو إقطاعي، أو ‏غني، أو فقير، أو رجل، أو امرأة، أو طفل، فالجميع مستهدفون. كما أنَّ هذا الجيش ‏يتفنَّن في تنويع طرق القتل، من قطع الأعناق إلى الشنق والصلب إلى الرمي في ‏الماء، وحتى استخدام الخوازيق المنصوبة في الهواء.. حتى الطبيعة شبه محروقة.. لا ‏شيء يدلّ على حياة. وتبدو السفن الغارقة في الميناء مشتعلة بينما ترتفع أعمدة الدخان ‏من الأبراج التي تلوح من بعيد.‏

تصوّر اللوحة الموت وتكرِّس الإحساس باليأس الذي يثيره المنظر، أكوام الجثث الملقاة ‏على الأرض، الكلاب الضالة التي تنهش الجثث، الهياكل التي تقود عربة محمّلة ‏بالجماجم، ويقابلها من يمين اللوحة غرفة مستطيلة الشكل، يُحشر بداخلها الناس إلى ‏حتفهم، وإلى جانبها تقف طوابير من الهياكل العظميّة تحمل دروعًا رُسِمَ عليها ‏صلبان، ولا يبدو أنَّ هذه الصلبان ستقدِّم وعدًا بالخلاص أو البعث على نحو ما تبشّر ‏به الأفكار المسيحيّة.. ويُحتمل أنَّ الفنان "بروغل" عَمد إلى تضمين الدروع رموزًا ‏دينيةً لكي يضفي على المنظر إحساسـًا بالسخرية والعدميّة وكأنه يقول: لا مكان ‏للحديث عن الخلاص وسط كل هذه البشاعة والوحشيّة.‏

يهدف الفنان من لوحته تحريك رؤية وعواطف المشاهد تجاه ما يتعرَّض له الإنسان ‏والطبيعة، والأشكال الجماليّة الموجودة حوله، فالطاعون يحصد كل شيء أمامه، فإذا ‏لم يُواجه بالتكاتف والمحبة والعلم.. فلا مستقبل ولا أمان للإنسان، وهو مهدَّد بالفناء، ‏ومهدَّدة فيه الابتسامة، وشفافية الحلم..‏

نجح الفنان في استخدام الألوان التي تساعده في إبراز رموزه للتعبير عن الاستغراق ‏في الدهشة والفزع.. وقد جاء استخدامه لها معتمدًا على التناغم اللوني وما يحدث من ‏أثر في نفس المُشاهد، ذلك التناغم الذي يحقق النسيج العضوي في اللوحة، كما أنَّ ‏هناك تناغمـًا خطيـًا في العلاقات الرأسية والأفقية في اللوحة، بالإضافة إلى الاتزان ‏الناتج من توزيع الكتل والمساحات.‏

بعد ذلك ظهر وباء "الكوليرا" عام 1820م، ووجد طريقه إلى الفن التشكيلي الذي ‏صوّر حالة الهلع والرعب والخوف والموت التي اجتاحت بلدانـًا بأكملها، وقد بلغ عدد ‏ضحاياه أكثر من مئة ألف شخص، وقد عبّر عن ذلك الفنان البريطاني "روبرت ‏سيمور" (1798– 1836)، في ملصقه "الكوليرا تدوس المنتصرين" وهو من أجمل ‏الملصقات الجرافيكية التي طُبعت بتقنية عالية في عام 1828م.‏

في هذا الملصق استخدم "سيمور" أساليب المبالغة الفنية، وفي الوقت نفسه أظهر وعيـًا ‏فكريًا وجماليًا، وتنوُّعـًا في الحلول الفنيّة القادرة على أداء المهمة المطلوبة التي ‏تتمحور حول مواجهة وباء "الكوليرا" الذي جاء في الملصق على شكل هيكل عظمي ‏ضخم، بلباس أبيض، على خلفيّة فاتحة اللون، مع غيوم سوداء. وقد رمز الفنان لهذا ‏الهيكل العظمي بوباء الكوليرا، وباء الشر والموت، فرسمه يسحق بقدميه الجنود بشكل ‏عشوائي على جانبي ساحة المعركة، وبيديه يدمِّر مدينتهم ويُشعل النيران فيها ‏لتتصاعد برتقالية وحمراء في عنان السماء، كما يلوث الجو بالسموم، ويبرزها الفنان ‏بصريًّا في الخلفيّة من خلال الغيوم، وهذا يجعل من المشهد ما يشبه صرخة حادة ‏تُدوّي إلى مالا نهاية ضدّ كل ما ينشر المرض.‏

إنَّ الإحساس الدراماتيكي في الملصق الجرافيكي -طباعة حجرية- يعزز الحل اللوني ‏المناسب حيث يقابل أرضيّة الملصق الخضراء الفاتحة درجات من اللون الأبيض ‏والرمادي الغامق الذي يُشغل خلفيّة الملصق.‏

لقد حاول الفنان "سيمور" تضخيم فعل العدو "الكوليرا" المدمّر من أجل جلب التضامن ‏مع الضحايا لمواجهة ثورة الكوليرا.‏

وعندما يُذكر الرعب والخوف والقلق والعزلة والاستلاب والنظرة السوداوية للحياة ‏يُذكر الفنان "إدفارد مونك" (1863– 1944) الذي رسم نفسه واضعـًا يديه فوق ‏بعضهما بعضًا ملفوفًا ببطانيّة إلى جانب السرير الذي ينام عليه، هذه اللوحة التي ‏رسمها عام 1918م، بعد أن نجا من الإنفلونزا التي ألمَّت به عام 1917م، كشفت ‏عن الوضع الصحي الذي وصل إليه بسبب المرض، واستطاع من خلال جسمه أن ‏يُظهر للمتلقي الأعراض التي ظهرت عليه وبشكل خاص الوجه، فالعينان غائرتان ‏شاخصتان، والفم مفتوح، كما أنَّ بشرته المشدودة تُظهر الألم والوهن الذي أصابه... ‏وبشكل عام عكست ملامح وجهه المطموسة نسبيـًّا الخوف من المستقبل وكذلك ‏مشاعر الألم والوحدة التي يعيشها. ‏

التكوين في اللوحة متزن ومتماسك البناء، وهذا أبرز ما يميّزها؛ فهو يقوم على توزيع ‏المساحات الداكنة والفاتحة وتحقيق الاتزان بينها، وعلى حركة الكتل واتجاهاتها في ‏الفراغ، (شخصية الفنان والسرير) كما تتزيَّن الكتل مع المساحتين -الأرض والجدار- ‏وهي العلاقات الأفقية والرأسية في اللوحة التي تتسم بالهارمونية في الألوان، وعلى ‏الرغم من تعدُّدها وتضمُّنها الشقين البارد والدافئ، إلا أنها تميل إلى السخونة.. ‏

لا يمكن الحديث عن الأوبئة التي عرفها العالم دون الحديث عن الإيدز الذي ظهر في ‏الكونغو عام 1976م، وانتشر خلال ثمانينات القرن الماضي، ثم انتشر في مختلف ‏أنحاء العالم حيث بلغ عدد المصابين بالإيدز حوالي 36 مليون؛ فألهَمَ انتشاره العديد ‏من الفنانين لإنتاج لوحات وملصقات في تلك الحقبة. ويرتبط اسم الفنان "كيث ‏هارينغ" (1958– 1990) بوباء الإيدز الذي أصيب به عام 1988م، وتصدَّر ‏موضوع الإيدز أغلب أعماله الفنية، وبشكل خاص ملصقاته التي استُخدِمت من أجل ‏رفع مستوى الوعي بمرض الإيدز ومحاربته في جميع أنحاء العالم، وأُدرجت في ‏طوابع الأمم المتحدة، ومنها ملصق "الجهل= الخوف من الصمت" الذي رسمه عام ‏‏1989م، وهو يتضمن "القرود الثلاثة الحكيمة" التي تعكس المثل الشعبي الياباني "لا ‏أرى شرًّا، لا أسمع شرًّا، لا أتكلم شرًّا" وهي "ميزارو" الذي يغطي عينيه والذي لا ‏يرى الشر، و"كيكازارو" الذي يغطي أذنيه والذي لا يسمع الشر، و"إيوازارو" الذي ‏يغطي فمه والذي لا يتكلم الشر. وترتبط الكثير من المعاني بالقردة والمثل من ضمنها ‏الرّبط بين رجاحة العقل والكلام وحسن التصرُّف.‏

ما يميز هذه القرود العمياء والصماء والبكماء، في الملصق أنها تجلب المشاهد ‏بسرعة، والسبب يعود للفنان الذي نجح في اختيار اللون المناسب للقرود وهو اللون ‏الأصفر، الذي جاء على خلفيّة حمراء ساطعة، يقطعها من الأعلى والأسفل خط أزرق ‏تم تضمينه كلمات تشير إلى: "الصمت= الموت" و"الجهل= الخوف" ومكافحة الإيدز. ‏وقد جاءت خطوط النص المكتوبة باللغة الإنجليزية ضمن حل تصميمي عام رفيع ‏المستوى. أمّا بالنسبة إلى المثلث الوردي فهو يمثل رمز (‏LGBT‏) الذي تمَّ تصميمه ‏من قِبَل مجموعة من الفنانين الناشطين في حملة مكافحة الإيدز.‏

وأمّا عربيـًّا، فنجد فنانينَ كثرًا تفاعلوا مع الظروف الصحية التي يمر بها العالم، والتي ‏صاحبت انتشار (فيروس كورونا المستجد ‏covid 19‎‏)، على الرغم من أنه من ‏المبكر الحديث عن الأعمال الفنية التي تناولت هذا الوباء تشكيليـًّا، إلا أنَّ بعض ‏الفنانين استثمروا الوقت خلال الحظر تطبيقـًا لشعار "خليك في البيت" وحاولوا تحدّي ‏رعب الوباء بالفنّ، فرسموا عشرات الملصقات الإرشادّية والوقائيّة من الوباء. كما ‏قام الكاريكاتور الصحفي بدوره على أكمل وجه. وبالنسبة إلى التصوير فقد تمحورت ‏معظم الأفكار على رسم فيروس كورونا والكمّامات، وقليلة هي الأعمال التي بثَّت ‏الأمل والتفاؤل في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العالم... حيث تعتبر الإيجابية ‏من أهم الوسائل النفسية في التعامل مع (فيروس كورونا) الذي عطّل من ضمن ما ‏عطله التعليم والمطابع والمكتبات، حيث تحوّل بعض الناس الذين لا يملكون مكتبات ‏في بيوتهم إلى القراءة الإلكترونية عبر الإنترنت.. وعاد بعض الناس إلى مكتباتهم ‏البيتيّة بعد أن هجروها طويلًا..‏

إنَّ هذه الحرب مع عدو متناهي الصغر تجعل الجميع يتسلَّح بكثير من الأسلحة وأهمها ‏القراءة في أوقات العزلة حيث تقضي الأسرة الواحدة كل الوقت في الحجر الصحي ‏مع بعضها بعضًا، وهي فرصة للقراءة والمناقشة بين أفراد الأسرة الذين غابوا عن ‏بعضهم في دروب الحياة. صحيح أنَّ فيروس كورونا أودى بحياة عشرات الآلاف من ‏الضحايا، وأوقف الحياة.. لكنه فتح الباب على مصراعيه للتفكير في المستقبل ولن ‏يكون ذلك إلا بالمعرفة والعودة إلى الكتاب من أجل أن نحجز مكاننا بين الأمم المتقدمة ‏التي تساهم في بناء الحضارة الإنسانية.‏

لقد أعادت جانحة كورونا للكتاب هيبته، وهذا ما أكد عليه الفنان "زياد جاسم" في ‏ملصقه الرَّقمي الذي ضمَّنه عناصر تتمثل في مجموعة من الكتب وُضعت فوق ‏بعضها بعضًا، بالإضافة إلى قبّعة، ونظّارة، وكمّامة، وجميعها جاءت على شكل رأس ‏إنسان، وجاء توظيف القبّعة والنظّارت من قبل الفنان لارتباطهما تاريخيـًّا بالإنسان ‏القارئ والمثقف، كما شكّل الرأس وعاءً للكتب المتنوّعة وهي تعكس القيمة المعرفية ‏والثقافية للكتاب -في زمن وباء كورونا- باعتباره وعاءً للأفكار العظيمة الملهمة. كما ‏أنَّ الكتاب فضاؤنا وأفقنا الحضاري الذي من خلاله نطلُّ على شرفات الوعي والجمال ‏والعلم الذي يساهم في القضاء على هذا الوباء الذي لا يفرِّق بين أحد. ‏