سَيِّدَةٌ مِنْ حِبْرِ الدَّهْشَة

عبد الحميد حسن
شاعر مصري
مِنْ مَطْلَعِ الحبِّ يَنْمو صوتُها الشَّفَقي
يوزِّعُ الدِّفْءَ بَينَ الغارِ والعَلَقِ


تَحَدَّرَتْ مِن جَبِينِ الطُّهْرِ زَنْبَقَةً
عُلْوِيَّةَ النَّفْحِ فِي تَرْتِيلَةِ الأَلَقِ
تَوشَّحَتْ فِي دُخَانِ الوَقْتِ نَضْرَتَها
وَأشْرَقَتْ في مَدارٍ بِالجَلالِ ‏سُقِي
كَما تُظِلُّ سَماءٌ عابِرينَ مَشَتْ
بِقَلْبِها الغَضِّ سُحْبُ الشَكِّ لَمْ تُرَقِ
تُناوِلُ الرِّيحَ مِنْ خُطواتِها وَطَنًا
يُناهِزُ القَمْحَ، يَشْفي وَحْشَةَ الطُرُقِ
بِروحِها تُعْشِبُ الأَيّامُ مُشْرِعَةً
نَوافِذَ الصِّدْقِ تَذْرُو رَعْشَةَ القَلَقِ
يُسافِرُ النُّورُ مِن مِيقاتِ حِكْمَتِهَا
ويُيْنِعُ الآنَ نهَرًا في ذُرَى الفَلَقِ
بِنَبْضِها الشَّوقُ قَدْ سالَتْ سَنابِلُهُ
تُؤَرِّخُ الحُبَّ للمُخْتارِ في الحَدَقِ
في صَوتِ مَكَّةَ أَبْوابٌ مُغَمَّسَةٌ
بِالذِّكْرَياتِ، وَبَوحٌ مِنْ صَداهُ بَقي
وَدَمْعَةٌ رَجَفَتْ في خَدِّ مُرْتَحِلٍ
يَحْسو الصَّبابَةَ كَأسًا مِنْهُ لَمْ يُفِقِ
هَذا النَّبِيُّ، هُنا آثَارُ فَرْحَتِهِ
وَأُمُّ فاطِمَةٍ تَلْقاهُ بِالعَبَقِ
كَمْ ظَلَّلَتْهُ غَوادٍ مِنْ مَوَدَّتِها
وَأَسْلَمَتْهُ يَداها كُلَّ مُرْتَفَقِ
وَرَتَّبَتْ في مَدَاها سِرَّ بَهْجَتِهِ
"مَواسِمًا" بِالهُدَى مُخْضَرَّةَ النَّسَقِ
في بَيْتِ أَحْمَدَ ظَلَّتْ روحُها لُغَةً
تُجَمِّلُ العَيْشَ بِالإِيْمانِ والخُلُقِ
سَليلَةَ العِزِّ نامٍ ظِلُّ أَغْصُنِها
في آلِهِ الغُرِّ، فَضْلًا غَيرَ مُنمَحِقِ
بِساحِلٍ مِنْ بهاها أُنْجُمٌ نُثِرَتْ
ما أَنْبَتَتْ فِي ثَرَى التَّاريخِ غَيرَ تَقِي
كَواكِبًا في فَضاءِ المَجْدِ قَدْ وُلِدَتْ
ما دارَ في حُبِّها مَنْ دارَ ثُمَّ شَقِي
تَوَضَّأَ العُمْرُ بِالبُشْرَى إِذِ انْبَجَسَتْ
سَمَا النُّبُوَّةِ تُؤوِي غُرْبَةَ الأُفُقِ
***
"اِقْرَأ" أَطَلَّتْ عَلَى الدُّنْيا مُضَمِّخَةً
سَطْرَ الحَياةِ بِوَهْجٍ مِنهُ مِنْدَفِقِ
فبَلَّلَ الوَحْيُ بالآياتِ أَزْمِنَةً
وَهَشَّمَتْ شَمْسُهُ تَغْرِيبَةَ النَّفَقِ
مِنْ غَيمَةِ البِرِّ قَدْ مَدَّتْ جَداوِلَها
في واحَةِ الحَقِّ، نَبْعًا لِلرَّسولِ نَقي
فُصولُ دَعْوَتِهِ انْثالَتْ عَلَى غَدِها
فِدًى وَصَبْرًا عَلَى ما نابَهُ وَلَقِي
تُحَرِّرُ الحُزْنَ مِنْ عَينَيهِ، تُؤنِسُهُ
يَحُثُّهُ قُرْبُها في كُلِّ مُفْتَرَقِ
في كُرْبَةِ الدَّرْبِ في أَحَراشِ ظُلْمَتِهِ
تُذِيبُ أَقَمارُها ما رَفَّ مِنْ رَهَقِ
يا دَوحَةَ الطَّلِّ في صَحْراءِ أَسْئِلَتي
يا زَهْرَةَ الفَجْرِ في أَضْلاعِ مُخْتَنِقِ
إِنّي أُحِبُّكِ أُمًّا.. -وَالجِراحُ عَمًى-
بِغَيرِ راحَتِكِ البَيضاءِ لَمْ أَثِقِ
تُلَوِّحينَ فَيَنْقَضُّ الأَسى بِدَمي
وَيَكْتَفي خَوفي المُحْتَدُّ بِالغَرَقِ
إِنّي أُحِبُّكِ وَالأَسْماءُ تُتْعِبُني
أُحَمِّلُ القولَ مِنْ مَعْناكِ إِنْ يُطِقِ
تُسَطِّرينَ مِنْ الإِسْلامِ مَلْحَمَةً
مَعْجونَةً بِالرِّضَا، مِسْكِيَّةَ العَرَقِ
إِنّي أُحِبُّكِ، قَلْبي مَحْضُ قُبَّرةٍ
وَذي حُقولُكِ.. ذا دَمْعي على الوَرَقِ