شَتِيْتُ الغَمَامِ

محمـــد دَلْكي
شاعر أردني

حينَ مشيتُ
بدربِ الرّمالِ
وحيدًا..
أرهقَ الدربَ حُزني
فانثنى حادبًا ظهرَهُ
ثمَّ قالْ:
يا بهيَّ الخِصالْ
رفقًا بقلبِكَ..
يا صاحبي!
ها هنا النّقصُ
عينُ الكمالْ!

صاحبِ الدربَ إِنْ شئتَ
خَلِّ القوافيَ
كُنْ مثلَ "سيزيفَ"
وادفعْ بصخرِ الكلامِ
صَعُودًا
وفكّرْ وقدّرْ
والتمسْ سرَّ نثرِ ...
وفكّرْ وقدّرْ
وكنْ آيةً مِن خيالْ!

قالَ للدربِ قلبي:
إنَّ عنقاءَ روحيَ
تَرْعَشُ للنّارِ
والبوحُ نَوحٌ
فنارُ الكليمِ
كِلامٌ، ونارُ الكليمِ
كَلامٌ، ونارُ الكليمِ
هُيامْ
والحزنُ مطهرةٌ
للغريبِ بأرضِكَ
-يا ناصحي-
يا شديدَ المحالْ!

جَفَّ حِبْرُ النَّهارِ
رويدًا رويدًا
وذابَتْ صُفرةُ الشَّمسِ
في غَيْهَبٍ من جَلالْ
وغدا الدَّربُ
حبلًا طويلًا
فوق ليلِ الغمامْ
وسجَى الليلُ
نبضًا..
وأرخى سدولَ
الكَلامْ
نامَ كلٌّ وقلبي
راهبٌ لم تدعْهُ
الظِّلالْ!

في أَتُونِ المسيرِ
وفحمِ المُضِيِّ
إلى غاية مشتهاةِ
الوصولِ
تعثَّرَ قلبي وأهوى..
في بحارِ الرمالْ
أطوفُ برملِ
الغوايةِ
حوليَ كلٌّ
يدورُ..
أدوخُ
ويسحبُني الرّملُ
والأمنياتُ تذوبُ..
ويسحبُها الرَّملُ
والأغنياتُ تَئِنُّ
وتجذبُها الذكرياتُ
الكلامُ يَئِنُّ
ولا نَفَسٌ
كي يستمرَّ الكلامْ
تستحيلُ الدُّجُنَّةُ
سربَ حَمامٍ يطوفُ
ويقرُبُ منّي الحِمامْ
يعتريني لحظة الموتِ
يعتريني الجلالْ!

حينما ..
تَسَرْبَلَ دربي
البياض..
وأيقنْتُ أَنَّ أمانيَّ..
صِرْنَ بخارًا..
مدَدْتَ -أيا صاحِ -
كَفَّكَ
بيضاءَ مِنْ غيرِ سوءْ
وقلبُك في الكَفِّ
يرقُصُ
رقصَ النَّسيمِ
بعالي التِّلالْ!

بوجهِكَ يا صاحِ
صارَ اعتكافُ الفؤادِ
بأرضِ الكآبةِ
شيئًا شهيَّ المَنالْ!

الحصى
إذْ نقطعُ الدَّربَ
كفًا بكفٍّ
غدتْ
أنجمًا مِنْ لآلْ!

كنتُ -قَبْلًا-
زمانًا طويلًا
أَعُدُّ انتهاءَ الزمانِ..
أراقبُ في كلِّ ليلٍ
ظهورَ الهلالْ
وما كنتُ أحسبُ
يولد سعديَ
بدرًا بهيَّ الخِلالْ!

فلمّا رَأَتْ أعينُ القلبِ
فيكَ
اكتمالَ المعاني..
آمنَ القلبُ
-يا مُبهجَ القلبِ_
أَنَّ المُحالَ مُحالْ!