إلى عرار...

سعيد يعقوب
شاعر أردني
لَا الكَأْسُ تَشْفِيهِ وَلَا الأَوْتَارُ // قَلْبٌ تَهِيجُ بِجَانِبَيْهِ النَّارُ
قَدْ كَانَ بَيْنَهُمَا يُذِيبُ هُمُومَهُ// وَاليَوْمَ لَا شَادٍ وَلَا خَمَّارُ
وَطَوَى عَلَى اليَأْسِ المَرِيرِ فُؤَادَهُ// وَكَسَاهُ مِنْ نَسْجِ القُنُوطِ دِثَارُ
مَا عَادَ يُغْرَمُ بِالعُيُونِ وَسِحْرِهَا// أَوْ تَسْتَبِيهِ الثِّيبُ وَالأَبْكَارُ
رَدَّتْ يَدَاهُ المُهْرَ عَنْ طَرْدِ الهَوَى// وَخَبَتْ مُنَاهُ وَانْتَهَى المِشْوَارُ
وَصَحَا مِنَ الحُلُمِ المُرَاوِغِ حِينَ لَا// قُضِيَتْ مُنَىً أَوْ حُقِّقَتْ أَوْطَارُ
وَانْجَابَ عَنْ عَيْنَيْهِ مَا غَشَّاهُمَا // فَإِذَا الحَقِيقَةُ غُصَّةٌ وَمَرَارُ
جُرْحٌ تَلَا جُرْحًا وَحُزْنٌ خَلْفَهُ // حُزْنٌ وَقَدْ لَحِقَ الدَّمَارَ دَمَارُ
جَفَّتْ يَوَانِعُ زَهْرِهِ فِيْ رَوْضِهِ // وَبَكَتْ عَلَى أَشْذَائِهَا الأَزْهَارُ
أَيْنَ النَّدَامَى أَيْنَ أُنْسُ حَدِيثِهِمْ // أَيْنَ النُّجُومُ الزُّهْرُ وَالأَقْمَارُ
بَكَتِ الدِّنَانُ عَلَى فَجِيعَةِ فَقْدِهِمْ // وَعَلَا الكُؤُوسَ مِنَ الغُبَارِ غُبَارُ
أَوَ كَانَ مَا قَدْ كَانَ حُلْمًا عَابِرًا // أَمْ كَانَ طَيْفًا مَا لَهُ اسْتِقْرَارُ
ذَهَبَ الصِّبَا لَمْ يَبْقَ مِنْ آثَارِهِ// أَثَرٌ وَتُشْجِيْ أَهْلَهَا الآثَارُ
وَكَأَنَّ فِيْ كَبِدِيْ لَهِيبًا مِنْ لَظَىً // إِنْ عَادَنِيْ مِنْ عَهْدِهِ تَذْكَارُ
قَدْ كَاتَمَ الأَسْرَارَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ//يَخْشَى بِأَنْ تَتَفَلَّتَ الأَسْرَارُ
سِفْرٌ إِذَا هِيَ قُلِّبَتْ صَفَحَاتُهُ// هَالَتْكَ مَا خَطَّتْ بِهِ الأَقْدَارُ
فَمَسَاءَةٌ وَمَضَرَّةٌ وَتَوَجُّعٌ //وَتَفَجُّعٌ وَخَسَارَةٌ وَعِثَارُ
وَلَقَدْ يَمُوتُ المَرْءُ قَبْلَ مَمَاتِهِ // لَمَّا يَرَى أَحْلَامَهُ تَنْهَارُ
وَاليَأْسُ إِنْ يَمْلِكْ عَلَى النَّفْسِ المَدَى // ضَاقَتْ عَلَى سَعَةٍ بِهَا الأَقْطَارُ
كَمْ حَزَّ فِيْ نَفْسِيْ الجُحُودُ وَسَاءَنِيْ // مَرْأَى النُّفُورِ وَمَضَّنِيْ الإِنْكَارُ
مَا أَطْرَبَ الزَّمَّارُ مَسْمَعَ حَيِّهِ// مَا كَانَ يُطْرِبُ أَهْلَهُ الزَّمَّارُ
كَمْ لِيْ لَدَى الأَيَّامِ مِنْ ثَأْرٍ فَهَلْ // مِمَّا لَدَيْهَا لِيْ سَيُؤْخَذُ ثَارُ
إِيهٍ أَبَا وَصْفِيْ وَفِيْ مَا بَيْنَنَا // شَبَهٌ وَكَمْ يَتَشَابَهُ السُّمَّارُ
جُرْحِيْ كَجُرْحِكَ لَا ضِمَادَ لِنَزْفِهِ // وَلَكَمْ تَبُوحُ بِسِرِّهِ الأَشْعَارُ
قُمْ يَا أَبَا وَصْفِيْ وَشَاهِدْ حَالَنَا// حَالٌ تُسَاءُ لِمَا بِهَا الأَنْظَارُ
قُمْ يَا أَبَا وَصْفِيْ لِتُبْصِرَ وَضْعَنَا// وَضْعٌ لَهُ تَتَفَطَّرُ الأَحْجَارُ
وَالنَّصْ ُذَاتُ النَّصِّ إِلَّا أَنَّهُ // فِيْ عَرْضِهِ تَتَبَدَّلُ الأَدْوَارُ
وَلَكَمْ خُدِعْنَا مِنْ حَدِيثٍ زَائِفٍ// وَبِغَيْرِ مَا نَهْوَى أَتَتْ أَخْبَارُ
إِنَّ المُرَابِينَ الذِينَ خَبَرْتَهُمْ // مِثْلُ الجَرَادِ عَلَى الحُقُولِ أَغَارُوا
عَرَقُ الجِبَاهِ السُّمْرِ يَرْوِيْ غَرْسَهَا // وَلَهُمْ تُسَاقُ مِنَ الحُقُولِ ثِمَارُ
إِنَّ المَسَاكِينَ الذِينَ نَصَرْتَهُمْ // مَا عَادَ بَعْدَكَ حَوْلَهُمْ أَنْصَارُ
وَالزُّطُّ مَا زَالُوا كَمَا وَدَّعْتَهُمْ // زُطًّا فَلَا حَقٌّ وَلَا أَقْدَارُ
إِيهٍ أَبَا وَصْفِيْ وَجُرْحِيْ غَائِرٌ// وَالحَظُّ أَسْوَدُ وَالهُمُومُ كِثَارُ
أَمْسِكْ يَدِيْ خُذْنِيْ لِقِعْوَارٍ فَقَدْ// يَشْفِيْ عَمِيقَ جِرَاحِنَا قِعْوَارُ
خُذْنِيْ إِلَى تِلْكَ الخَرَابِيشِ التِيْ// فِيهَا الرِّضَا وَالصِّدْقُ وَالإِيثَارُ
حَيْثُ الحَضَارَةُ لَمْ تُلَطِّخْ أَهْلَهَا // وَمِنَ المَظَاهِرِ لَمْ يُصِبْهُمْ عَارُ
وَالهَبْرُ لَا تُنْسَى مَوَاقِفُهُ التِيْ // مِنْ حَقِّهَا التَّبْجِيلُ وَالإِكْبَارُ
مَا عَابَهُ فَقْرٌ وَلَا أَزْرَى بِهِ // وَالحُرُّ لَا يُزْرِيْ بِهِ إِعْسَارُ
صَافِيْ المَوَدَّةِ مَا تَغَيَّر َوُدُّهُ// وَبِهِ اسْتَوَى الإِعْلَانُ وَالإِسْرَارُ
خُذْنِيْ إِلَى حُورَانَ حَيْثُ سُهُولُهُ// قَمْحٌ يُشِعُّ كَمَا يُشِعُّ نُضَارُ
خُذْنِيْ إِلَى وَادِيْ الشِّتَا حَيْثُ النَّدَى// وَالعِطْرُ وَالأَنْسَامُ وَالنُّوَّارُ
خُذْنِيْ إِلَى رَمٍّ فَشَوْقِيْ جَارِفٌ // أَيَّامَ لَمْ يَرْتَعْ بِهِ الشُّطَّارُ
وَإِلَى هَبُوبِ الرِّيحِ يَفْتِكُ بِالعِدَا // وَكَأّنُّه الزِّلْزَالُ وَالإِعْصَارُ
خُذْنِيْ إِلَى الزَّمَنِ الجَمِيلِ لِمَعْشَرٍ // بِعُيُونِهِمْ يَتَفَجَّرُ الإِصْرَارُ
أَهْلِ الشَّهَامَةِ وَالمَرُوءَةِ وَالنَّدَى // مَنْ كُلُّ سِيرَتِهِمْ عُلًا وَفَخَارُ
أَيَّامَ لَمْ يَعْبَثْ بِهِمْ طَمَعٌ وَلَا // سَلَبَ العُقُولَ بِسِحْرِهِ الدُّولَار
إِيهٍ أَبَا وَصْفِيْ لَقَدْ طَالَ الدُّجَى// فَمَتَى يُطِلُّ عَلَى العُيُونِ نَهَارُ