نوافذ ثقافية

 محمّد سلام جميعان

ثقافة عربية

 

أقلام مشبوهة في الفكر العربي الحديث/ علي هصيص

هذا كتابٌ إشكاليّ في موضوعه ومنهجيّته، يقف فيه مؤلِّفه عند مجموعة من القضايا والتيارات والأعلام ذات التأثير البالغ في وعي النُّخبة العربيَّة ومنطلقات وعيها الثقافيّ والتاريخيّ، بالاستناد إلى مرجعيات ووثائق تُغيّر استنطاقات كثير من المسلّمات في الفكر والأدب.

الموازنة بين الثنائيات المتعارضة هي السمة البارزة في معطيات الفصل الأول الذي خصّه المؤلف للمقارنة المضمونيّة بين كتابيّ: " يقظة العرب" لجورج أنطونيوس، و" الاتجاهات الوطنيّة في الأدب المعاصر" لمحمد محمد حسين، فيلحظ القارئ الاشتباك مع مكانة مؤلف كتاب " يقظة العرب"، ودوره مع الحكومة البريطانية في تدوين تاريخ اليقظة العربيّة، وارتباطاته النّسبيّة والقرابيّة مع شخصيات يتحفَّظ المؤلِّف على اتجاهاتها وولاءاتها، ليفضي بقارئه إلى عدم نزاهة مؤلّف الكتاب في مسروداته التاريخيّة. وهو ما كان في منجى منه صاحب كتاب " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر".

ويقف الفصلُ الثاني على الماسونيّة وانعكاساتها في الأكاديميات العربيّة. وفي هذا الفصل تشريح نقديّ لكثير من أعلام الأدب والفكر العرب، ومنهم: أحمد زكي أبو شادي، وحليم دموس، ونجيب عازوري، وولي الدين يكن، وعلي عبد الرازق. فضلاً عن تأثيرات المذهب الرومنسي وحمولاته الفكريّة الباطنيّة المشبوهة- من وجهة نظر المؤلِّف- التي تتلاقى مع تهويد الفكر العربي، استنادًا من المؤلف لممدوح عدوان.

وفي الفصل الثالث مساءلةٌ تاريخيّةٌ أدبيّةٌ للشاعرين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم عن صمتهما المطبق عن الإشارة في أشعارهما إلى قضية فلسطين، بالرغم من أنَّهما عايشا كثيرًا من أحداثها العاصفة؛ إذ يضعهما المؤلف في مواطن الشبهة من خلال رصد علاقاتهما مع الخديوي والبريطانيين.

وفي شؤون وشجون الذي حمل عنوان الفصل الرابع، يطوف بنا المؤلّف في قضايا الحركات المشبوهة والثورات المغدورة؛ أدباً وفكراً، في الحياة العربية. وكلُّ تلك المحاكمات تجري في ضوء تأكيد أثر تضييع الخلافة الإسلاميّة في ارتكاس الواقع العربيّ في حضيض الجهل المعرفيّ والتزييف النهضويّ.

صلاة العشق/ سلّامة عبد الحقّ

تشتبك الذكورةُ والأنوثة في هذا الكتاب النثريّ على نحوٍ أيروسيّ تحتجب المشاعر فيه وتطفو دون تزييف، فتنعكس الصورةُ الأخّاذة على شبكيّة العين، ويلمح القارئ في المفردات التوق الشديد للغرام.

وهنا تنقل الشاعرة خبرتها الانفعالية بواقعيّة رصينة فنّيّاً. لكنّها على صعيد الشعور تبدو هذا الرغبة مكافأة للذات أكثر من كونها حالة مشترَكة، بمعنى أنها عَرْضٌ غيرُ واعٍ للرَّغبة، وكأنَّ إظهار الحنان والعاطفة يشير إلى ما ينبغي للطرف الآخر أن يبذله تجاهنا.

ولعلّ القارئ يتساءل حين فراغه من قراءة هذه النصوص عن مدى تكافؤ ما تضفيه الصور والمفردات من قيمة على الذات المحبِّة تعادل أو تتفوّق على القيمة المُضفاة على الآخر: المحبوب. هنا تبدو العاطفة تسير في شارع وجدانيّ باتجاه واحد. فماذا لو تحوّل الغرام إلى أزمة داخلية تسعى لتوطيد تقدير المرء لذاته؟ 

النصوص محاولة شجاعة لاستعادة الطفولة عبر مخيّلة جامحة واستعادة الآمال التي سرقها شتاء العمر. لقد استطاعت الكاتبة من خلال لعبها الماهر باللغة وتلوين حالات الغرام ممن إثارة الدهشة في داخلنا. وما بين التوق لما سيأتي والتفجّع على ما مضى ينأسر القارئ لفراهة التراكيب التي بلغت التصوير البصري المشهدي للتوق. واللغة والصورة؛ تتكفّلان بالتجسير بين الرغبة المقموعة والاستيهام في التمنيات.

 

" وسوسة قمر" / كوثر الزعبي

     ومن خزائن الذاكرة المتحفِّزة، تشكِّل الشاعرةُ كوثر الزعبي قصيدَتها على نحو يقرِّب بين الرغبة والأمنية، حتى تغدو المسافة ببعديها الزمني والنفسي أقرب إلى التحقُّق في ملعب الإبداع الشعري بما فيه من حياة ولغة.  

تكتب كوثر الزعبي قصيدتها بمهارة عالية، وتستدخل فيها التفاصيل لتحويل ما هو وجداني خالص وإخراجه من خصوصيته الذاتية والزمنية، ليكون أكثر اقتراباً من الإحساس الإنساني العام تجاه قضية الحب وتنائي المحبوب ولوعات الخسران.

  ومما يلفت النظر في هذا الديوان، الأداءُ الفني والتعبيريّ المتدفق؛ إذ نلحظ في كل قصيدة فكرةً جديدة وبناءً لغويًّا خاصاً لا نجده في أي قصيدة أخرى، فكل قصيدة تبوح بمعجمها اللغوي الخاص بها، وهو الأمر الذي عمَّق أبعاد رؤية موضوعاته الوجدانية، وجعلها أكثر تركيزاً وتكثيفاً وإيحاءً، وجعل التعبير عنها في كل مرة مشحوناً بالتوتر الانفعالي الذي شحن الصورة الشعرية بمعادلات نفسية، أضفت على قصائدها أفقاً مفتوحاً للتأمُّل والاستذكار.

   واللغة في هذا الديوان ذات طابع حلمي تأمُّلي يتشابك مع الغائب الحاضر بفتنته وغوايته، المعبَّر عنه بألفاظ وتعبيرات تومئ إلى الوجود بما فيه من الالتباس المعبّأ بالشجن والغياب النفسيّ والماديّ، وهو ما أجّج الحالة وأوصل الأشواق الطافحة لأن يتحول النص إلى شكل من أشكال النجوى المكبوتة، المباح بها لداخل الذات.                                      

   ويتراسل الخطاب الشعري عبر تنويعات بنائيّة تتباين في امتداداتها وأطوالها، كما تتباين في إيقاعاتها تبعاً لحالة النجوى والبوح التي تحياها الذات، فبدا كل نص في القصيدة الواحدة محكوماً بإطارٍ مكانيٍّ وزمانيٍّ ونفسيٍّ مستقل، ولكنَّه في الوقت نفسه يرتبط بالنصِّ اللاحق في علاقة تراكميّة شعوريّة قوامها الترميزات اللغويّة القائمة في مجموع الديوان على تمازج العلاقة الجدلية بين اللغة والمعنى. 

   

ثقافة عالميّة

عالَم الاعتقاد/ لويس براون، ترجمة: أيوب أبو ديّة

يربط الكتاب معتقدات العالمِ بعضها ببعض في صورة متّسقةٍ ومترابطة بالرغم من تنوّعها، وهو ما يكشف في المآل الأخير عن وحدة الفكر البشري عبر تاريخ تطوُّره الطويل. فالكشف عن المتقارِبات والمتشابِهات هو أكثر ما يحتاجه الإنسان المعاصر الذي ازدحمت حياته بالاختلاف والتبايُن على نحو صراعيٍّ ذميم.

ثمانية فصول معزَّزة بالمصادر والمراجع تكشف للقارئ عن كيفية بدايات السِّحر، وعن تطوُّر الدين في العالَم القديم، وعمّا حدث في الهند للبراهميَّة والبانِيَّة والبوذيَّة والهندوسيَّة، وما لحق بالكونفوشيوشية والتّاويَّة والبوذية في الصين. فيما يتوقف الفصل الخامس عند الزرادشتية في بلاد فارس. ولا تنفكّ الفصول اللاحقة عن مقاربة ما حدث في بني إسرائيل وأوروبا والجزيرة العربية – على التوالي- فيما يخصّ اليهوديَّة ويسوع والمسيحية، والديانة الإسلامية المحمّديَّة. وكل ذلك يناقشه المؤلِّف في ضوء علم الأديان المقارن وتأثير البيئة الجغرافية في معتقدات أتباعها وانعكاس كلّ ذلك في أنماط السلوك والعيش وتطور نُظم الحياة.

وفي ضوء قراءة الكتاب وحدةً واحدة، يتكشَّف للقارئ تشابك الثقافات والحضارات وتداخلها، على نحو يجعل من المناداة بنزعة التفوُّق على الآخر والتفرُّد بالذات، خارج سياق التاريخ والمنطق العقلانيّ. ويتفق مع هذا المنحى كلٌّ من المؤلف والمترجم، الذي بدا جهدُه في الإحالة والتوضيح لهوامش المؤلِّف، وضبط كثير من المصطلحات، مما منح النصّ الأصليّ جماليات بدت فيها المحافظة على النصّ الأصلي واضحة.