أهميّةُ المدخلِ الثقافيّ لمحاربة التطرف

الزبير مهداد

باحث وناقد مغربي

 

الظاهرةُ الإرهابيّةُ

ابتُليت الأمةُ بظاهرة التنظيمات الإرهابيّة المسلحة، التي أساءت إلى صورة الإسلام وسماحته، وهدّدت الأمن والسلم العام، وقتلت الناس ودمرت العمران وعبثت بالأعراض وانتهكت الحرمات. هذه التنظيماتُ والجماعاتُ تقوم على تأويلٍ جاهلٍ بالإسلام، بل وجعلت الإسلامَ شرائع مختلفة متقاتلة، وأفرغته من قيمته التي أسّست لحضارته في الماضي، وتعطيه في الحاضر فرصة التجدد والاندماج في الحركة الكونيّة للمعتقدات الدينيّة. وفي مواجهة هذا الورم الخبيث الذي نشأ في الأمة، وضعت الدول التي ابتُليت بعدواه، برامج للتوعية والمناصحة، إلى جانب اعتماد المقاربة الأمنية والمواجهة العسكريّة.

     وفي الوقت الذي أدت المقاربةُ الأمنيّةُ والعسكريّةُ إلى تحقيق بعض المكاسب ودحرٍ جزئيٍّ لقوات هذه التنظيمات في الميدان؛ فإنَّ المدخلَ الدينيَّ الذي اعتمد خطة المناصحة، أفلح إلى حدٍّ ما في إعادة الرشد لكثيرٍ من المغرَّر بهم، وأدى دورًا مهمًا في أن يصحِّح العديدُ منهم أفكاره المنحرفة ويراجعها، فصحّحوا اعتقادهم، على الرغم من أن بعضهم عاد إلى الارتماء في أحضان الإرهاب مجددًا، مواصلًا السير في الطريق الخطأ، بعدما أوهم القائمين على المناصحة باقتناعه وبتخليه عن نهجه الضال وأفكاره المضلة. واليوم ساد الاقتناع لدى القائمين على المناصحة بضرورة تغيير خطتهم واستراتيجيتهم. كما أنَّ المدخَلين المعتمدَين الدينيّ والأمنيّ، لم يكفيا لاستئصال الداء، تعوزهما الشمولية. فالرافدُ الذي تستقي منه "داعش" ومن في حكمها الأفكار والفتاوى حيٌّ باقٍ في تراثنا وكتبنا الصفراء، يمتلك قدرةً دائمةً على تغذية الكثير من أفراد الخلايا الإرهابيّة، والمتعاطفين معها، والمغترّين بأفكارها، فهؤلاء المخدوعون لا يمكن الوصول إليهم باعتماد المدخَلين السابقين، فالأمر يحتاج خِططًا جديدة.

  لهذا، فمحاصرةُ هذه الظاهرة المدمرة، يستوجب وضع خطة شمولية، بالإضافة إلى المناصحة والخطط الأمنية والضربات والمواجهات العسكريّة، والتركيز على محاربة الفكر المتطرف الذي أنتج "داعش" وأمثاله من التنظيمات التكفيريّة الدمويّة. 

 للخلاص من جاهلية هذه التنظيمات لا يكفي الوعظُ والإرشادُ والحديثُ عن وسطية الإسلام واعتداله؛ فللمدخل الثقافيّ الفنيّ الجماليّ أهميتُه التي يجب استحضارها.

 

تضخمُ الدينيّ وتراجعُ الثقافيّ

تساءل الأستاذُ محمد بنيس في أحد مقالاته عن أسباب تضخم الدينيّ الذي هيمنت مظاهره بشكل مفرط على العالم العربيّ، ما أدى إلى تضرر الدين نفسه، كما أدى إلى تقلص وانحسار ما هو ثقافيّ ومعرفيّ.

  يقول محمد بنيس في معرض جوابه: "إنَّ الإسلام الذي ظلَّ أربعةَ عشرَ قرنًا وفيًّا لقيمه الدينيّة، ناضلت الشعوب لحمايته والتمسك به، ما ساعد العقيدة على بقائها ثابتة في تربتها الاجتماعية. وبعد الاستقلال، شهدت بلداننا ميلاد حركة سياسيّة حديثة ممثلة في الأحزاب التي تروم الإسهام في تدبير الشأن العام وتأطير المواطنين، لم تلق التجربة النجاح المأمول. كما شهدت -أيضًا- حركة ثقافية حديثة، ضعيفة العلاقة بهُوية الأمة وبأصولها الثقافيّة، وكان مصيرها الفشل أيضًا. وتضافرت أسبابٌ كثيرةٌ فأدت إلى هيمنة الدينيّ على الحياة العربيّة بشكل يصعُب السيطرة عليه. لم يعُد الدين للانتشار بقيمه ومبادئه وحمولته كاملة، بل تضخم الجانبُ الطقوسيُّ المتمثلُ في العبادات فقط، دون الآداب العامة والقيم، وهيّمنت النقاشات المتعلقة بالعبادات والجنة والنار والحجاب وصيام النافلة وعذاب القبر، في الأسر والشارع ووسائل الإعلام والمدرسة وغيرها.

  تراجعُ الثقافيّ نتجت عنه مشاكلُ كثيرةٌ، وآثار خطيرة: تخلّف الذوق العام، تضررت العلاقات الاجتماعية، تراجعت النقاشات الفكريّة والأدبيّة، أُقيمت محاكم تفتيش للمفكرين والمثقفين، حُرّمت الفنونُ الجميلة، حوصرت إصداراتٌ فكريّة، اتُّهم مبدعون ومفكرون بالكفر، واضمحلت القيم السامية التي ترجمها الكتّابُ والشعراءُ في قصائدهم وكتبهم ومصنفاتهم الثمينة التي توارثناها.

  تراجعُ الثقافيّ خلّف آثارًا سيئةً على التنشئة، فالدينُ لم يكن أبدًا محورًا وحيدًا للتنشئة الاجتماعية، بل كان مُجَرَّدَ مُكَوِّنٍ من مكونات الثقافة التي كانت تشمل:

1. التدريب الدينيّ وكان يتمُّ بشكلٍ مرنٍ تقليديٍّ متوارث. 

2. التثقيف المعرفيّ الأخلاقيّ والاجتماعيّ من خلال النصوص الأدبيّة والمصنفات الثقافيّة.

3. ترقية الجانب الجماليّ الوجدانيّ، من خلال النصوص الشعريّة والفنون الجميلة الموسيقيّة والمعماريّة والتشكيليّة وغيرها.

   وهذه الجوانبُ كانت متكاملةً منسجمةً ومتناغمة، لأنَّها كلها تتأسس على أصولٍ مشتركة دينيّة واجتماعيّة.

 

 دورُ الثقافةِ في التنشئةِ الاجتماعيّة

 إنَّ الثقافةَ كانت تُعدُّ دومًا من أهم مدخلات العملية التنشيئيّة، التي تُسهم في مخرجاتٍ تربويّة سليمة، ولذلك فإنَّ محتوى هذه الثقافة يكون له أكبرُ الأثر في إكساب الناس النظام القيمي. فالمصنفات الأدبيّة والفكريّة من أهمِّ الأوعية التي تنقل القيم وتعرّف بها وتنشرها وترسّخها في الجسم الاجتماعيّ. وفي ذلك قال معاوية لزياد يحثّه على تعليم ابنه الشعر: "ما منعك أن تُرَوِّيَه الشعرَ؛ فوالله إن كان العاقّ لَيَرْويه فيَبَرّ، وإن كان البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل".

 التراث الأدبي والفكري الذي أنتجته أمتنا، يشكّل أهمَّ جوانب التراث الإسلاميّ، وقد كُتبت معظمُ المؤلفات بلغةٍ أدبيٍّة رفيعةٍ تسمو بالذوق الأدبيّ والثروة اللغوية للقارئ. ومن يستقرئ الأشعارَ العربيّة، والأمثالَ، والحِكمَ، لا بد أنَّه يجد فكرًا إنسانيًّا رائعًا؛ ينفذ مباشرة إلى عقل السامع وقلبه، أو القارئ، بحكم شكل هذه النصوص وصياغتها، حتى أصبح التعقيبُ على كثيرٍ من المواقف التي تتضمن تربيةً، بقول شاعرٍ أو بحكمةٍ أو بمثلٍ، تقليدًا مهمًا. 

 إنَّ دراسةَ الشعر العربي دراسةٌ للحكمة وسحر البيان، تنمي الذوق وتهذب الطبع وتمتع النفس وتدلُّ على مكارم الأخلاق، فالشعرُ العربيُّ قبل الإسلام وبعده، يحوي ثروةً هائلةً من الحكمة والقيم النبيلة مصوغة في صور بديعة. 

  وإلى جانب الشعر، هناك المصنفات الأدبيّة التي تُعدُّ مصادر تربويّة تعليميّة للقيم والأخلاق والمعرفة، تسهم في تشريب واستيعاب الثقافة العربية الأصيلة وقيمها للناشئة؛ بل وتّتخذ دليلًا في الحياة تساعد على تلمس السبيل المستقيم وتخطي الصعاب وبناء الشخصية. 

  فابن قتيبة، صاحبُ المصنفات الرائعة، ألّف "عيون الأخبار"، مؤكّدًا وظيفة المصنفات الأدبيّة التي لا تقلُّ قيمةً عن غيرها من المصنفات في الفقه أو علوم القرآن أو السنة، فهي تهدي إلى مكارم الأخلاق كغيرها من الكتب الدينية، وبذلك تؤدي الوظيفة نفسها التي تؤديها تلك الكتب: (هذا الكتاب، وإن لم يكن في القرآن والسنة، وشرائع الدين، وعلم الحلال والحرام، دالّ على معالي الأمور، مرشد لكريم الأخلاق، زاجر عن الدناءة، ناهٍ عن القبيح، باعث على صواب التدبير، وحسن التقدير، ورفق السياسة، وعمارة الأرض. وليس الطريق إلى الله واحدًا، وليس كلّ الخير مجتمعاً في تهجد الليل، وعلم الحلال والحرام، بل الطرق إليه كثيرة، وأبواب الخير واسعة). ولقّن القارئ درسًا بليغًا في وجوب احترام حرية الكتابة والقراءة، ومراعاة حق القراء والكتاب في الاختلاف: (مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين).

 وعيًا منه بأنَّ الحلول التي يقدمها الخطاب الدينيّ، وإن كانت حلولًا جيّدة في بعض الأحيان، فإنَّها تبقى حلولًا جزئيّة تغطّي مجالاتٍ محدّدةً ومحدودة، فلا يجب إلغاء دور الآداب والعلوم الإنسانيّة والفنون وغيرها، لأهميتها في تلبية الحاجات المتنوعة للنفس البشرية كمطالب النمو العقلي والعاطفيّ، وتهذيب النفس وغرائزها. والقراءةُ الثقافيّةُ العامة في الحقول الإنسانية تطوّر الذات الإنسانية، وتنمي قدراتها، وتكسبها المعارف والخبرات، وتساعد على تحسين القدرة على فهم الآخرين والتعاطف معهم. وكثيرٌ من مآسينا متعلقةٌ بهذا الجانب، فأمّتنا العربية لا تُصدر سوى عددٍ ضئيلٍ جدّا من الكتب، مع إهمالٍ للثقافة الإنسانيّة والفنون الجميلة، أمَّا حصةُ المواطن العربيّ في القراءة فلا يتعدى معدلها 6 دقائق في السنة، مقابل 36 ساعةً في أوروبا.

 إنَّ تضخم الدينيّ الطقسيّ وانحسار الثقافيّ والفنيّ الجماليّ أدى إلى نتائجَ وخيمةٍ على مستوى التنشئة الاجتماعيّة. فمجتمعاتنا تعاني تراجعًا ثقافيًّا، وقلة الإقبال على قراءة وترويج الثقافة الأدبيّة الإنسانيّة المكتوبة، وإهمال تام للجانب الجماليّ الوجدانيّ. الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الجانبين النقديّ والجماليّ في شخصية النشء المسلم، ما يدفعه إلى الانسياق وراء الدعوات الإرهابيّة.

 

 

الثقافةُ الإنسانيّةُ تُحصِّنُ العقل

ركّزت دراسةٌ أجراها "مارتن روز" الخبيرُ في المجلس الثقافيّ البريطانيّ على محاولة تحديد أيِّ نوعٍ من الأشخاص يصبح "إرهابيًّا"، فخلُصت إلى أنَّ غالبية "الجهاديين" درست في كليات علميّة اختصاصات كالعلوم الهندسيّة والتكنولوجيّة، ما يفسّر ابتعادهم عن الفكر النقديّ.

وقد بَيَّنَت الدراسةُ أنَّ معظم المتخرجين، الذين ينخرطون في الحركات الإرهابيّة، درسوا الهندسةَ والعلومَ والطب، ما يؤكّد نتائج دراسة سابقة أجراها "دييغو غامبيتا" عام 2007، أفادت أنَّ ما نسبته (48.5%) من "الجهاديين" الذين يتمُّ استقطابهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم من الحاصلين على تعليم عالٍ. 44 % من هؤلاء لديهم شهاداتٌ في الهندسة، أمَّا بين الجهاديين الذين يتمُّ استقطابهم في الغرب فتصل نسبة المهندسين إلى 59 بالمائة. وهذا ما ينسجم مع نتائج دراسة أخرى تتعلق بـ"الإرهابيين" في تونس.

  الدراسةُ التي أُجريت على ( 31 ) من البريطانيين المتورطين في هجمات إرهابيّة، تبيّن منها أنّ 18 منهم تابعوا دراسات عليا، و8 منهم درسوا الهندسة أو تكنولوجيا المعلومات، وثلاثة منهم درسوا إدارة الأعمال، وأنَّ اثنين درسوا العلوم الطبيّة، وأربعة درسوا الإحصاء وعلوم الرياضة والصيدلة والرياضيات، في حين أنَّ واحدًا منهم فقط درس العلوم الإنسانية.

ويعتقد "مارتن روز" أنَّ كل هذا ليس مَحضَ صُدفة، فدراسة المواد العلميّة لا تؤدي إلى خلق تفكيرٍ نقديٍّ بمستوى دراسة العلوم الإنسانية نفسها. ويطرح "روز" فكرةً مفادها أنَّ تدريس العلوم يجعل الدارس في النهاية بين قطبين وحيدين، هما الصحيح وغير الصحيح، والخطأ والصواب لا غير، وهو ما يحدُّ من قدرة طلاب العلم والهندسة على تطوير الجوانب النقديّة في شخصياتهم، وتجعلهم فريسةً سهلة للتنظيمات الإرهابيّة. 

مع ذلك لاحظ الخبير " روز" أنَّ 70% من طلاب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يدرسون العلوم الاجتماعية، رغم أنَّ التدريسَ في هذه الفروع أضعفُ مما هو في الفروع العلميّة، غير أنَّه يخلقُ نوعًا من النقاش والاجتهاد، ويرفض فكرة الأبيض والأسود فقط. من هنا نفهم سبب قيام "تنظيم داعش" بإلغاء الدراسات المتعلقة بالآثار والفنون الجميلة والقانون والفلسفة والعلوم السياسيّة والرياضة والمسرح وقراءة الروايات بكل الأسلاك التعليميّة.

 فإذا كانت الدراساتُ الإنسانيّة والفلسفيّة تربي عقول الشباب وتعلمهم النقد، فإنَّ التربيّة الفنيّة الجماليّة تربي قلوبهم ووجدانهم.

 

 

الفنونُ الجميلةُ ترتقي بالأخلاق

  إنَّ القاسمَ المشترك بين الأخلاق السامية والجمال هو بعثهما في النفس الأحاسيسَ الجميلةَ من سرورٍ ورضا، ويشكّلان مكوّنًا مهمًا من مبحث القيم العليا؛ وهي: الحق والخير والجمال. يقول الأستاذ عبد الحليم محمود في كتابه "تربية الناشئ المسلم" (1992):" إنَّ جمال الأفعال ملائمةٌ لمصالح الخلق، وقاضيةٌ لجلب المنافع وصرف الشر عنهم، لذا ترتبط التربيّة الجماليّة بالتربية الأخلاقيّة، وتعدان معًا وجهين لعملة واحدة، تكمل الواحدة الأخرى وتدعمها. وكما دعا الإسلام إلى مكارم الأخلاق وحثَّ على التمسك بها، فإنَّه دعا إلى الاهتمام بالجانب الجماليّ في الحياة الإنسانيّة وفي عاداته وعباداته." 

فالفنونُ الجميلةُ داخلةٌ في خدمة المقاصد العامة للشريعة؛ فالاهتمامُ بالجماليات وفنونها يُسهم في تقوية الصحة العامة والسلم الأهلي، هذان الجانبان اللذان يشهدان اليوم انهيارًا مروّعًا وتدهورًا خطيرًا. 

  إنَّ التعاطي مع الفنون الجميلة تجعل الشخص أكثرَ إيجابيّةً وأكثرَ إقبالاً على الحياة ومحبةً لغيره. متزنًا عقليًّا، هادئًا نفسيًّا، لذلك فإنَّ تربية الذوق خيرُ ما يقدم إلى الناشئ من ناحية تقويم أخلاقه، لأنَّ الذوق الجمالي يشمل السلوك، وانعدامه يؤدي إلى خشونة المعاملة وسوء السلوك. فالتعلق والتمسك بالجمال يساعدان على التمسك بالخير والنفور من الشر، ومن ثم يؤديان إلى تنمية الأخلاق الحسنة، ما يُعَدُّ من أهم أهداف التربية الجماليّة. والعناية بهذه التربية ونشرها يخدم التربية الخُلُقية ويدعمها، لأنَّ النشء الذي نضج في ذهنه الذوق الجماليّ وقدّره يتطلع إلى مثاليّة سامية؛ مثالية الحق، والخير، والجمال فيصوّر الفضيلة في شكلٍ جذّابٍ يناسب أنْ يصير خُلُقاً فيه.

 يقول الأستاذ إبراهيم البيومي: إنَّ علاقة الفنون الجميلة بالمقاصد العامة للشريعة يكتنفها غموضٌ وشكٌ ونفور في الوعي الإسلامي المعاصر بصفة عامة، والشباب المسلم لا يمتلك رؤيةً واضحةً لوظيفة هذه الفنون ولا لأهميتها في الحياة، وعلاقتها بقيم المرجعيّة الإسلاميّة ومقاصدها العامة. ولعلَّ ذلك راجع إلى نظامنا التنشيئي الذي يستند إلى رؤى تقليديّة منقطعة الصلة بالواقع من جهة، وهو ما يغذي الشك تجاه مختلف الفنون والآداب لدى السواد الأعظم من المواطنين، ويصل الأمر إلى حدِّ النفور منها ورفضها باسم التدين أو الالتزام، أو باسم المحافظة على الأصول والتقاليد لدى أبناء التيارات الإسلامية، الأمر الذي يتعارض مع المقاصد العامة للشريعة الإسلاميّة. وكون الإسلام منهجًا شاملًا للحياة فهو يُعنى باعتماد الفنون والآداب كجزء مهم من هذا المنهج؛ لأنَّ ميدان عمل الفنون الجميلة هو بناء الوجدان، وترقية الذوق، ومن ثم السمو بالعواطف والمشاعر، وتغذية الروح بما يسهم في تحقيق السكينة والطمأنينة الفرديّة والجماعيّة. وميدان الوجدان هو ذاته الميدان الأول لعمل رسالة الإسلام في النفس الإنسانية. 

 

المسؤوليةُ يتقاسمها الجميع

  قال أحدُ حكماء الشرق: "عندما نريد تعليمَ عقول الشباب، فلا ينبغي أن نغفل تعليم قلوبهم". فالتعليمُ الذي يتوجّه إلى العقل والقلب يكون مؤثرًا، كما أنَّ الخطط التربويّة التوجيهيّة التي تشترك فيها كال القطاعات الحكوميّة المعنية بالطفولة والشباب والأسرة كالتربية الوطنية والشباب والثقافة والشؤون الإسلامية وغيرها تكون فعّالةً مثمرة، فمحاربةُ الفكر الظلاميّ الإرهابيّ، هي مسؤوليةُ الجميع، أفرادًا ومؤسسات، فضلًا عن حماية أمن الأفراد والبلاد.