Index was outside the bounds of the array. :: AFKAR ::
التراث الأردني من المحلية إلى العالمية

التراث الأردني من المحلية إلى العالمية

عايد محمد أبو فرده
كاتب أردني وباحث في التراث
odeh1920@gmail.com

 

استطاع جلالة الملك عبدالله الثاني أنْ يعبُرَ بالتراث الأردني من "المحليّة" إلى "العالميّة"،وتبنّى مشاريع تدعم التنمية السياحيّة والتراث الوطني؛ فصدرتالإرادةالملكيّة السامية بإنشاء "متحف الأردن" و"مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي"، واهتمَّ جلالتهبإبراز الأردن ووضعِه بالمكانة اللائقة بماضيه وتاريخه الحضاري، ليكون هذا الماضي ركيزةً قويّةً للانطلاق لمستقبل أفضل.
فيما نحتفل بمرور عشرين عامًا على تسلُّم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستوريّة،تطلُّ علينا الثورة العربيّة الكبرى،فنتناول من عبقها سيرة عطرة من صفحات التاريخ، تقف فيها الكلمات حائرة أمام عظمة الإنجاز؛ حيث أنعم الله على الأردن بالقيادة الفذَّة التي تمكَّنت من إيصال الماضي بالحاضر، والحاضر بالمستقبل، لتساهم بتحويل طموح الأردن إلى واقع ملموس صنعه الهاشميّون.
"الإرث ملكُ الإنسانيّة، اعْتَنِ بِه وساعِدْنا في الحفاظ عليه".. من هذه العبارة للرّاحل جلالة الملك الحسين بن طلال، التي كُتبت في العديد من المواقع الأثريّة والبيئيّة؛ يستمدُّ جلالة الملك عبدالله الثاني إصراره الشديد على الإرث الأردني كجزء لا يتجزَّأ من الإرث الإنساني العالمي.
وكون جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسينوارث الثورة العربيّة الكبرى، فقد حقَّقللأردنإنجازات ملموسة على مختلف الصُّعُد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والعلميّة، ووفَّر لأبناء شعبه فرص التميُّز والإبداع والمشاركة في صنع القرارات، وفَتَحَ الأبواب للمساهمة في مسيرة التنمية والاستفادة من مكاسبها، كما حافظ جلالته على الثوابت الأساسيّة لقضايا الأمّة موضِّحًا سماحة دينها وإنسانيّتها؛ ورسالة عمّان خير دليل على ذلك، فهي رسالة الأمة للعالم أجمع،ليغدو الأردن وبفضل قيادته وطنًا مزدهرًا تلتفّ حوله الأسرة الأردنيّة الواحدة.
لا يختلف اثنان على اهتمام جلالة الملك عبدالله الثانيبدعم وخدمة ثقافة الوطن وتراثه، إذْإنَّسجلَّه حافلٌ بإنجازات ثرّة في حفظ تراث الوطن ليطّلع عليه أبناؤهجيلًا بعد جيل، فاستطاع أنْيعبُر به من "المحليّة والإقليميّة" إلى "الفضاء الخارجي"، وجاء الاعتراف العالمي به وإدراجه في قائمة "العالميّة"، فكان لجهود جلالة الملك عبدالله الثانيدورٌ بارزٌ في دخول البتراء ضمن قائمة عجائب الدنيا السبع في العام 2007؛ الأمر الذي أدّى إلى نموّ الحركة السياحيّة، ممّا انعكس إيجابًا علىالأردن.كما أدرَجَت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) فنّ "السامر" الأردني في القائمة التمثيليّة للتراث العالمي غير المادي. وكذلك الإيعاز للتَّنقيب عن الأماكن الأثريّة،وظهر ذلك جليًّا من خلال اكتشاف المغطسبما له من قيمةتاريخيّة وعقائديّة.وما رعاية جلالته إلّا تجسيدًا لاهتمامه بتراث الوطن والمحافظة عليه، وتقديم كل دعم يعزّز ثقافة المجتمع الأردني المحافظ على قيمهوعروبتهومكارم أخلاقه.
ويولي جلالته عناية كبيرة بالمعرفة والثقافة، وما زال يبذل جهودًا فاعلة في تبنّي العديد من المشاريع في إطار اهتمامه بدعم التنمية السياحيّة والتراث الوطني، ويكفي دليلًا دامغًا على ذلك عشقه الدائم للتراث والتاريخ والحضارة، إذْ يحرص باستمرار على وجوده في أيّ محفل يؤدّي لتطوير ودعم الحراك الثقافي والتراثي،وقدتجسَّد اهتمامه بالتراث وقضاياه في دعمه المستمرّ لكلّ جهد يُسهم في تطوير النسيج العمراني لأيّ مدينة أردنيّةوالعناية بمعالمها التاريخيّةوالأثريّة،فوضعنصب عينيه الاهتمام بالمقتنيات الأثريّة وتأمين الأماكن المناسبة لحفظها،فصدرتالإرادةالملكيّة الساميةبإنشاء المتحف الوطنيوالذي يقع في منطقة رأس العينقلب العاصمة عمّانفي العام 2002، وتمّت الموافقة الساميةعلى نظام المتحف عام 2003،وقد وضع حجر أساس هذا المبنى عام 2005، وتمّت تسميتهباسم "متحف الأردن".وبرز اهتمام جلالته بالمقتنيات التراثيّةعندما قامباستعادة علم الثورة العربية الكبرىالذي كان معروضًا للبيع في مزاد عالمي من قِبَل شركة Sotheby's بلندن في تموز 2005.
وفي رسالة ملكيّة مباشرة تؤشِّر على اهتمام جلالته بإرث الأبطال والشهداء الأردنيين، والإرث العسكري الأردني العريق،جاءتتوجيهات جلالتهبإعادة تأهيل متحف دارة الشهيد وصفي التل ومنزل المشير حابس المجالي وتحويله إلى متحف عسكري يروي بطولات الجيش العربي وتضحياته، من خلال عرضمقتنياتعسكريّة وأسلحة تحاكي المرحلة التي عاشها هؤلاء.وفي السياق نفسهتمَّإنشاء متحف الدبّابات الملكيوالذي يحتوي علىمجموعة من الدبّاباتيعود تاريخ هاللحرب العالميّة الثانية.
اهتمّ جلالة الملك عبدالله الثانيبأن يتبوَّأ الأردنمكانةمرموقةومميَّزة علىخارطة الإرث العالمي؛ويبدو ذلك جليًّا من خلالتبنّي وتشجيع الإبداعبالحفاظ على الكنز الحضاري الذي ورثناه عن الأجداد؛ حيث كان الخطاب الثقافي لجلالتهووصفهالثقافة بإحدى المفردات المهمّة للتنمية وتوطين المعرفة وأداة التواصلوالحوارومهد الحضارة،فكانت الرِّعاية الواضحة من قِبَل جلالتهللمثقفينمن خلاللقاءاتهوحواراتهمع الكُتّاب وتلمُّسقضاياهموالتي تجلَّتبتكريم عدد من المؤرِّخين الأردنيّينتقديرًا لجهودهم وتشجيعًا لهموعرفانًا لما قدَّموهمن أعماللها أهميّة تاريخيّةووثائق وطنيّةهي محطّ اهتمام رسمي وشعبي لأنَّها تؤرِّخ لمرحلة مهمّة منتاريخ الأردن.
وأبدى جلالة الملك عبدالله الثاني اهتمامًا خاصًّابتوثيقالمخطوطات المتعلقة بتاريخ الأردن،وتجلّى ذلك بصدور الإرادة الملكيّة الساميةبالموافقة على إنشاءمركز التوثيق الملكي الأردني الهاشميالذي استطاع أن ينجزتوثيقًا حقيقيًّاللمخطوطات والصور والأفلامالمرئيّة والسمعيّة لمراحلتاريخيّة متعدِّدة،كما قام المركزبمشروع التحوُّل الرَّقمي؛ حيث تمّ تحويل عدد كبير من الوثائق من الميكروفيلم إلى الأشرطة الممغنطة، وتزويدبعض الجامعاتبنسخ من مخزونالذاكرة الأردنيّة.
لقدحرص جلالتهمن خلال خطاباته المتعدِّدةعلى إيلاء الثقافة مكانة تتوازى معالموقع التاريخي للأردن،فجاءت توجيهات جلالتهلإنشاء جائزة الملك عبداللهالثاني للإبداععلى المستوى العربيفي ثلاثة حقول مهمّةهيالعلوم والفنون والآدابتُمنح مرَّة واحدة كل سنتينتشجيعًا ودعمًا وتكريمًا للإبداع والمبدعين.ولا بدَّمنالإشارة إلى التكريم الملكي للفنانين والمطربين،ممّا شكَّلدافعًا وحافزًا لهم؛أثمر في زيادة نشاط الحراك الموسيقي والفلكلور والحفاظ على الإرث الموسيقي الأردنيوإعادة إنتاجه بقوالب جديدة.
كذلك مشروع (مكتبة الأسرة الأردنيّة- مهرجان القراءة للجميع)، الذي تقيمه وزارة الثقافة الأردنيّة سنويًّا ويحظى برعاية الملكة رانيا العبدالله، ويهدف إلى تأسيس "مكتبة في كل بيت أردني"، ويُعدُّ من أهم المشروعات الثقافيّة في المملكة،لإسهامه بتعميم القراءة بين أفراد الأسرة من خلال تقديم الكتاب بأسعار رمزيّة، وشموله لمحافظات المملكة كافّة، ويتمّ فيه إعادة طباعة كمّ كبير من العناوين الخاصة بالأدباء والمثقفين والمؤرِّخين الأردنيّين الرّاحلين، وإعادة نشر ما قدَّموه في لفتة مهمَّة تكرِّس ثقافة احترام وتقدير ما قدّموه للإرث الثقافي الأردني. أمّا على صعيد الإرث الديني، فإنَّ الأردنيحظى بشرف كبير لضمِّهمقاماتوأضرحة عدد من الأنبياءوالصحابة من الشهداءوقادة الأمّة، والتي تعطيأهميّة تاريخيّة لموقع الأردن من خلال انطلاق الفتوحات الإسلاميّة عبْر أراضيه،فأبدى جلالته اهتمامًا كبيرًا بهذه المواقع وذلك من خلال توجيهاته بإكمال مراحلمشاريع التَّرميم والصِّيانة التي بدأتبتوجيهات منجلالةالمغفور له الملكالحسين بن طلال رحمه الله.
وكما كانت الرِّعاية الملكيّة للمواقع الدينيّة الإسلاميّة،كذلك كانت الرِّعاية الملكيّةللمواقع الدينيّة المسيحيّةلتؤكِّد للعالم على نموذجالعيش والمصير والتاريخالحضاري المُشتَرَكواحترام الأديان، والتي تمثّلتباهتمام جلالتهبموقع المغطسوإنشاء هيئة خاصّة لإدارتهوتطويره؛ ممّا كان له الأثرفي التَّصويت بالإجماع على إضافته لقائمة الإرث العالمي،وهو خامس المواقع الاثريّة والسياحيّة الوطنيّةعلى هذه اللائحة العالميّة، بعد البتراء إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدةوقصير عمرةوموقع أم الرصاصووادي رم.
لقد كان لهذه المواقع الأثريّة،وإدراجهاضمن قائمة الإرث العالمي،أهميّة كبرى لاجتذاب السيّاح وتنشيط السياحة،وكان له الأثر في رفد الموازنةوتحقيق دخل لا بأس به للخزينة الأردنيّة.وقد سعى جلالة الملك عبدالله الثاني لتطوير الأماكن السياحية كافّة، والتي تشكِّل الإرث الحضاري للمملكة، من خلال حرصه على تأمين الوصول لهذه الأماكنوتوفير أسباب الرّاحة والأمان لروّادها،فكانت هناك مشاريع عديدة من هذا القبيل،منها: (مشروع تطويروسط مدينة عمّان)،(مشروع تطوير مدينة السلط)، (مشروع بانوراما البحر الميت)، (مشروع طريق البحر الميت- مادبا السياحي)، (مشروع التطوير السياحي لمدينة الكرك القديمة)، (مشروع تطوير الشاطئالشرقيلمنطقة البحر الميت).
كل هذه المشاريع تصبّ في المصلحة الأولى للوطن،ولتسويقالسياحة،وتُظهر الاهتمام الكبير لجلالتهبهذه الموروثات الماديّةالتي نفاخر بهاوالتي تؤكِّدعراقة الأردنوامتداد حضارته في أعماق التاريخ.لقدنعم الأردن بالاهتمام الكبير لجلالة الملك عبدالله الثانيبإبراز الأردن ووضعِه بالمكانة اللائقة بماضيه وتاريخه الحضاري،ليكون هذا الماضي ركيزةً قويّةً للانطلاق لمستقبل أفضل، فالأردن صاحب ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلٍ مشرق بإذن الله، وبهمّة القيادة الهاشميّة المظفرةبقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله وأبقاه ذخرًا للأمتين العربيّةوالإسلاميّة.