جابر عصفور: ناقدًا ومفكّرًا ونهضويًّا

تقديم وإعداد
د. عارف عادل مرشد/ أكاديمي وباحث أردني
ودع العالَمُ العربيُّ وقراؤه في نهاية شهر ديسمبر من العام المنصرم الناقد والمفكّر التنويريّ، الدكتور جابر عصفور؛ رحل د. عصفور تاركًا ما يزيد على الستين كتابًا، وعشرات الدراسات والأبحاث والترجمات، توزّعت ما بين دراسة علوم البلاغة التقليديّة، والنقد العربي القديم، واتجاهات النقد الحديث، فضلاً عن كتبه التي عالجت إشكالات النهضة والتنوير.
تمَّ اختياره في آخر يناير من عام 2011 وزيرًا للثقافة للمشاركة في الحكومة التي دُعيت (حكومة الثورة)، لكنَّه اعتذر عن الحقيبة الوزارية بعد عشرة أيام من توليه لها. لكنَّه عاد بعد ذلك إلى تولي حقيبة وزارة الثقافة في الفترة من شهر يونيو حتى نهاية فبراير 2015.
ولم يكن د. جابر عصفور أوّلَ مثقفٍ مرموق يتسلّم منصبًا وزاريًّا؛ فتاريخ مصر الحديث يحفل بأسماء مفكرين ومثقفين تسلّموا مناصب وزاريّة تتعلق بالتعليم والتربية والثقافة ويمكن أن نعدّد منهم: علي مبارك، ومحمود سامي البارودي، وطه حسين، الذي عدّه د. عصفور أستاذه وملهمه والسائر على طريقه، وأنَّه تماهيًا مع سيرته قد حقّق أيضًا تسلمه لمنصب الوزارة في ظروف صعبة كتلك التي أحاطت بوزارة طه حسين التي اضطُرت إلى الاستقالة بعد حريق القاهرة في يناير من عام 1952.
يتجلّى مشروع د. جابر عصفور النقديّ النهضويّ في ثلاثة محاور:


المحور الأول: قراءة التراث النقدي
وضع عصفور التراث عامة والتراث النقديّ خاصّةً موضع المساءلة، مُسقطًا أي قدسيّة أو تبعيّة لرأي، مشدّدًا في مشروعه الانقرائي هذا على أهمية توالد الأسئلة وتكاثرها لتسهم في النظر إلى الموضوع من زوايا مختلفة تأتي بوجهاتٍ نظر أخرى.
المحور الثاني: الاستنارة
فقد انشغل عصفور بالكتابة عن الميراث التنويريّ الذي خلفه أعلام التنوير الذين ورث عنهم أفكارهم بأهمية الدولة المدنية وحرية الفكر، والتأسيس لمعاني التسامح والتقدم والحوار، هذا فضلًا عن الإعلاء من شأن العقل على النقل.
المحور الثالث والأخير: الترجمة
حيث اعتنى جابر عصفور بالترجمة عنايةً فائقةً خاصّةً بعد أن تولى المجلس الأعلى للثقافة في العام 1993، ووجّه شطر ترجمة الكتب الحديثة التي تحمل رؤى معرفيّة وثقافيّة وفكريّة لتواكبَ ركب الحضارة الإنسانيّة. وبتأسيس المركز القومي للترجمة في العام 2006، قام د.جابر بنقل مشروعه الأثير وهو المشروع القومي للترجمة للمركز، وتولى إدارة المركز من عام 2007 إلى العام 2011.
يتضحُ لنا مما سبق أنَّ هذا المشروع هو عبارة عن خطابٍ ثلاثيّ الأضلاع يقومُ على نقد التراث النقديّ والاستنارة والترجمة.