نوافذ ثقافية

محمد سلّام جميعان
ثقافة عربيَّة

الفلسفة والشعر.. أيّة علاقة؟/ د. بسّام موسى قطوس
مثلما تحمل العلاقة بين الفلسفة والدين، أو بين الفلسفة والعلم، إشكالاتها المعرفيّة، كذلك تحمل العلاقة بين الفلسفة والشعر إشكالاتها ببين الرفض والقبول، والائتلاف والاختلاف. فالعلاقةُ بين الفلسفة والشعر علاقةٌ ممتدة تاريخياً منذ الفلسفة اليونانية، مروراً بالفلسفة المثالية الألمانية، وانتهاءً بالفلسفة المعاصرة على اختلاف مدارسها واتجاهاتها.
وبعيداً عن التحديد الحاسم يقف هذا الكتاب على مسافة كافية لفضّ الاشتباك في العلاقة بين الشعر والفلسفة، ضابطاً مصطلحاته المفاهيمية لكل من الشعر والفلسفة والسجال بينهما دون الانحياز لأيّ طرف في هذه المعادلة الشائكة. فيتلمّس في الفصل الأول الائتلاف والاختلاف بين الشعر والفلسفة من أجل أن تربح الإنسانية إنسانيّتها عبر مناظير جمالية ورؤيوية، باعتبار الجمال منطقة يمكن لها أن تحقّق الالتقاء بين الفلسفة والشعر من خلال الربط بين مضامينهما، مؤكّداً هذا الاستنتاج بما قاله "تودروف" من أنَّ الشعرية تستدل على موضوعاتها بإقامة العلاقة مع العلوم الأخرى والأنماط المعرفية بما فيها الفلسفة.
وما بين أفلاطون الذي منح الفلاسفة المعرفة والحكمة، وطرد الشعراء من جمهوريته المثالية، وأرسطو الذي أنصف الشعراء وجعل للشعر مكاناً إلى جوار الفلسفة، يتراءى للقارئ التهميش الذي أدى إلى الفصل بين هذين الحقلين المعرفيين ودورهما الإنساني والمعرفي. وهو الأمر الذي انعكست تأثيراته على الفلاسفة المسلمين.
ولكن المؤلِّف يعود في القسم الثالث من الفصل الأول إلى تبيان مناطق المصالحة بين هذين الحقلين المعرفيين، مبيّناً انعطاف كثير من الشعراء، أمثال المعري وأبي تمام والمتنبي، إلى الفلسفة. والمؤلِّف يدعم وجهة النظر هذه من خلال تبيان علاقة اللغة بالفكر وعلاقة الخيالي بالواقعي، وأنَّ كثيراً من النّقاد والأدباء رأوا في الشعر وسيلة من وسائل توصيل رؤاهم الفلسفية عبر قوالب شعرية، فالشعر هو العالم الروحاني للفلسفة بينما الفلسفة هي النابض للشعر وريشته وألوانه، مؤكّداً هذه الرؤيا من خلال سوق آراء كبار الفلاسفة المعاصرين ( نيتشة وهايدجر وبلانشو).
ومع مقاربته في الفصل الثاني لسؤال المعرفة والماهية، يتبين للقارئ الانحياز النسبي للمؤلف نحو المواءمة بين الشعر والفلسفة وإمكانية الالتقاء بينهما، بوصفهما خطابين معرفيين، ليؤكّد لنا في الفصل الثالث تكامل العلاقة بين الفلسفة والشعر.

رؤيا في ملحمة جلجامش/ رائد محمد الحواري
تستدخل هذه الدراسة في ثناياها طبيعة عصرنا السياسي المتعلق بالحريات السياسية، فيكشف لنا المؤلف من خلال النظر في هذه الملحمة التاريخية أنَّها ترسّخ فكرة الإصرار للحصول على الحرية متحدية الصعاب والمعيقات، ومتجاوزة التحديات. فبتعبير المؤلف:( جلجامش قام ببناء مدينة حديثة وجعل فيها الأنظمة ديمقراطية وأتاح حرية الفكر والرأي، وجعل الإنسان فيها أسمى الكائنات) ص 12. ويقدّم شواهد على الحرية والديمقراطية التي كانت سائدة في مدينة "أوروك" وعلاقة الحاكم بالشعب، وسلطة مجلس الشورى على الحاكم.
ويتناول المؤلف في شطر آخر من كتابه علاقة السلطة بالمقدَّس، وكيف أنَّ حرية الرأي وانفتاح الفكر سمحت بتناول العقائد والإيديولوجيات بطريقة التحليل وإعادتها لمنطق العقل، وذلك إشارة لعدم السماح بسيطرة الفكر التقليديّ على الإنسان الفاعل. ويبسط ذلك من خلال استقراء اللقاء بين جلجامش وأوتو نبشتم، فيبدو جلجامش جزءاً من السياق العام للشعب، وهو ما ينبغي أن يحكم مسار الحياة على الأرض. فالمساواة عنصر رئيس في إحلال البشر مكانتهم.
إنَّ إعادة ترسيم العلاقات بين عناصر هذه الملحمة (الآلهة، الثور السماوي، عشتار، تموزي، الطوفان) يكشف لنا عن عمق قراءة المؤلف لأبعاد هذه الملحمة من منظور معاصر يتصل بالفكر السياسي العربي في راهنيّته والتباساته في الفكر والنهوض والتراجع والتبعية والاستقلال، وغير ذلك مما يندرج في المشروع النهضوي المأمول، وعلى رأسها الحرية الفكريّة والتعبير.


السيرة الذاتية في الأدب العربيّ/ تهاني عبد الفتاح شاكر
يتناول هذا الكتاب أشكالاً مختلفة من السيرة الذاتية، فتقف الباحثة عند سيرة فدوى طوقان بوصفها نموذجاً لأدب الاعتراف عند المرأة العربية، وسيرة جبرا بما تمثّله من تداخل المتخيَّل والواقعي في حياته وأدبه، وإحسان عباس بوصفها سيرة عالِم جليل اشتهر بالتحرّي والدِّقة في دراساته النقديّة والتاريخيّة.
وبعد وقوف المؤلِّفة على مفهوم السيرة الذاتية ونشأتها والأنواع القريبة منها ودوافع كتابتها وقوالب كتابتها في الأدب العربي، تشرع في الحديث عن كلِّ شخصيّة من شخصيات دراستها الثلاث، فتضيء معالمها وتربط بين مفردات بحثها على نحو يمنح القارئ رؤية موضوعية لهذه النماذج المختارة، وذلك من خلال وقوفها على تحليل اللغة السِّيريَّة والأحداث والشخصيات والأمكنة والأزمنة بأبعادها الذاتية والإبداعيّة، وإدماج ما هو ذاتي بما هو متخيل في منجزاتهم الإبداعيّة. فجمعت بذلك بين النظرية والتطبيق في دراسة توافرت فيها المنهجية والعرض والأسلوب.

ثقافة عالمية
امرأة وحيدة: فروغ فرخزاده وأشعارها/ مايكل هلمان، ترجمة: بولس سرّوع
تستمد هذه الدراسة أهميتها من كونها أوّل دراسة تتناول سيرة حياة شاعرة شرقية، وتقدِّم لنا نموذجاً لدراسة سيرة ذاتية تختلط بشعرها، عبر سبر أغوار حياتها بصدق وموضوعية بعيداً عن أي محاذير ذات تأثير في التطورات التاريخية والسياسية والأدبية والاجتماعية، فيقف المؤلّف على معالم مهمّة من حياة فروغ فرخزاده في الشعر والسينما والمسرح والرسم والخياطة، وامتيازها بتجربتها الشعرية التي تعرضّت فيها لانتقادات صريحة باعتبارها مناقضة للقيم والأخلاق، حتى نبذها والدها وحُرمت من رعاية طفلها الوحيد وتحاشتها النساء.
يقدّم الكتاب في فصله الأول والثاني، لمحاتٍ مهمةً وخصبةً من حياة هذه الشاعرة الإيرانية وعملها المهني منذ ولادتها حتى ما يمكن اعتباره نقطة تحول في فكرها وتجديدها في الشعر، ويأتي ذلك من خلال اقتباسات من شعرها، وهو ما شكّل دمجاً فنياً بين الحياة الشعرية للشاعرة والحياة الحقيقية والواقعية لها، وبالتالي قدّم تصوراً واقعياً ملموساً لطهران في الخمسينيات والستينيات بإطارها العلماني.
وينفذ الفصل الثالث إلى باطن شعر فرخزاده من حيث تعبيراته الرائدة ومغزاه المعبِّر عن وجهة النظر الأنثوية في الميراث الثقافي الإيراني، ثم الإشارات التحليلية لشعرها وارتباطه بسياق الحركة النسوية، ودراسة النزعة الإنسانية في شعرها عبر السياق النسوي.
تحليل القصائد في هذه الدراسة لا يقوم على النقد الأدبي بمقدار ما يقوم على كشف الأبعاد الكامنة وراء قدرة فرخزاده على أن تُحيي في أشعارها أحداثاً واهتماماتٍ يومية، ويكشف في البعد الآخر خصائص شخصية الشاعرة ودورها المميز الذي منحها صفة الناطقة باسم ثقافتها.
قد يكون من المناسب إجراء دراسات أدبية مقارنة بين هذه الشاعرة وغيرها من الشاعرات الإيرانيات، ونساء فنّانات في العالم، كونها كانت مليئة بحياة قطفها الموت قبل أن تكتمل.