تأمُّلات في الفكر الإصلاحي الديني بالغرب الإسلامي ‏ زمن الاستعمار وبعد الاستقلال

 

أنس بوسلام

كاتب مغربي

 

مَثَّلَتْ مرحلة الاستعمار اللّحظة التاريخيّة التي اصطدمَت بها الحضارة العربيّة الإسلاميّة ‏بالغرب، فبدأت تُطرح على المسلمين مجموعة من الأسئلة والإشكالات تتعلّق بقضايا الهويّة ‏والدين والعلم والحداثة والتَّجديد وغيرها. وفي هذا المقال سيركِّز الكاتب على تجارب ثلاثة ‏بلدان مغاربيّة، وهي المغرب والجزائر وتونس، في محاولة للكشف عن طبيعة مشروع الفكر ‏الإصلاحي الديني المتمثِّل في تلك التجارب.‏

تَتَمَحوَرُ إشكاليّة هذا المقال حول التَّساؤل التالي: إلى أيّ حدّ مثَّل الفكر الإصلاحي الديني ‏بالغرب الإسلامي تيّارًا له مشروعه الخاص ورؤيته الواضحة وخلفيّاته المحدَّدة ممّا أهّلَه ‏للحسم في القضايا المطروحة عليه مثل الهويّة والحداثة والتجديد وغيرها... أم أنَّنا بصدد ‏مُصلحين ورموز فقط شابَ العديدَ من أفكارِهم ومواقفِهم الكثيرُ من الضبابيّة والتَّناقض وغياب ‏المشروع؟

وتتمثَّل أهمّ هذه فرضيّات الموضوع في الآتي:‏

‏- غياب المشروع الواضح وهيمنة الضبابيّة وعدم وضوح الرُّؤية لدى الفكر الإصلاحي ‏المغاربي.‏

‏- كان الفكرُ الإصلاحي الديني المغاربي فكرَ أشخاص ورموز وتجارب مستقلّة، اعترى العديد ‏منها التَّناقض وتلوُّن المواقف والتصوُّرات بحسب الظروف والمتغيّرات التاريخيّة والسياسيّة.‏

‏- تبايُن التجربة الإصلاحيّة الدينيّة بالغرب الإسلامي بين المغرب والجزائر وتونس من حيث ‏الوزن والقيمة الفكريّة والجرأة في الطَّرح.‏

‏- الاتِّفاق الكبير بين التجارب الإصلاحيّة بالغرب الإسلامي فيما يخصّ قضايا الهويّة.‏

‏- اختلاف التجربة الإصلاحيّة الدينيّة بين البلدان المغاربيّة المذكورة على مستوى الحسم في ‏قضايا التَّجديد ومُواكبة العصر.‏

ومن خلال استقراء الفكر الإصلاحي الديني بالغرب الإسلامي، خلال الفترة موضوع المقال؛ ‏زمن الاستعمار وبعد الاستقلال، يمكن إجمال أهمّ القضايا المُرتبطة به في النقاط التالية: ‏

‏1-‏ البيئة الاجتماعيّة والتعليميّة لنشأة الفكر الإصلاحي الديني بالغرب الإسلامي:‏

كان الانتماء الاجتماعي لرموز الفكر الإصلاحي بالمغرب والجزائر وتونس -في الغالب ‏الأعمّ- للطبقة المتوسطة، سواء القرويّة أو الحضريّة منها، كما ارتبطت أهم مراكز التعليم التي ‏انطلق منها هذا الفكر الإصلاحي الديني بجامع القرويين(1) وجامع الزيتونة وما سمّي ‏‏"المدارس الحُرّة".‏

‏2- تأثير الفكر الإصلاحي المشرقي والإسلامي والسياق الدولي في التجربة الإصلاحيّة ‏الدينيّة المغاربيّة: ‏

تَمثَّل هذا التأثير أساسًا في التواصل بين النخبة الإصلاحيّة المغاربيّة والتيارات الإصلاحيّة في ‏المشرق، مثل زيارات محمد عبده وجمال الدين الأفغاني لتونس مثلًا، إضافة إلى تأثير تجربة ‏الاستعمار الفرنسي وصدمة الحداثة الناجمة عن ذلك، ولا نعني بهذا أنَّ التجربة الإصلاحيّة ‏المغاربيّة كانت دومًا في موقع المفعول به لا الفاعل، فقد كان لها تأثيرُها أيضًا، ومن وجوهِه ‏وصول شخصيّة إصلاحيّة تونسيّة إلى مشيَخَة الأزهر نفسها، والأمر يتعلق هنا طبعًا بالشيخ ‏محمد الخضر حسين، وهو صاحب مؤلَّفات لها قيمتها المُعتبرة مثل "رسائل الإصلاح" ‏و"الحرية في الإسلام" و"نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم".‏

‏3- نَظَرٌ في "المشروع" الفكري الإصلاحي الديني بالغرب الإسلامي إبان الاستعمار وبعد ‏الاستقلال:‏

يُفضي تأمُّل التجربة الإصلاحيّة الدينيّة المغاربيّة إلى النتائج التالية:‏

‏- الاختلاف وعدم الاتفاق في تفسير الرموز الإصلاحيّة لأزمة تخلُّف المسلمين، وما ترتب ‏عنها من نتائج وفي مقدمتها الاستعمار.‏

‏- ارتباط الفكر الإصلاحي الديني بالبلدان المغاربيّة الثلاث، في جانب مهمّ منه، بالتيّار السلفي ‏ما عدا بعض الاستثناءات المهمّة؛ من أبرزها المصلح التونسي محمد الطاهر بن عاشور ‏والمفكر الجزائري مالك بن نبي.‏

‏- نجاح الفكر الإصلاحي المغاربي في تقديم إنتاجات قيّمة فيما يخص تفسير القرآن الكريم، ‏وفي مقدمتها مؤلَّف "تفسير التحرير والتنوير"، لصاحبه العلامة محمد الطاهر بن عاشور، ‏والذي يضمّ ثلاثين جزءًا، وقد أمضى الرجل من أجل كتابته وإخراجه قرابة الأربعين عامًا، ‏واشتمل على كثير من الفوائد واللطائف والتحريرات، مع الحرص على تلمُّس الحِكَم من ‏الأحكام والتشريعات، والإكثار من النقول عن الأئمّة والعلماء في شتى العلوم سواء كانت ‏شرعية أو لغوية أو بلاغية أو غيرها من فروع العلم، وقد بيَّن ابن عاشور منهجه فيه في ‏مقدمته، فقال: "وقد اهتممتُ في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز، ونكت البلاغة العربية ‏وأساليب الاستعمال، واهتممتُ أيضًا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض... ولم أغادر ‏سورة إلا بيَّنتُ ما أحيط به من أغراضها، لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصورًا على ‏بيان مفرداته ومعاني جمله كأنها فِقَر متفرِّقة تصرفه عن روعة انسجامه وتحجب عنه روائع ‏جماله.‏

واهتممتُ بتبيين معاني المفردات في اللغة العربية، بضبط وتحقيق ممّا خَلَت عن ضبط كثير ‏من قواميس اللغة.‏

وعسى أن يجد فيه المطالع تحقيق مراده، ويتناول منه فوائد ونكتًا على قدر استعداده، فإني ‏بذلتُ الجهد في الكشف عن نكت من معاني القرآن وإعجازه خلت عنها التفاسير، ومن أساليب ‏الاستعمال الفصيح ما تصبو إليه همم النحارير، بحيث ساوى هذا التفسير على اختصاره ‏مطولات القماطير، ففيه أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن ممّا في التفاسير، وسمّيتُه: "تحرير ‏المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد"، واختصرتُ هذا الاسم باسم ‏التحرير والتنوير من التفسير"(2).‏

اتِّجاهات السلفيّة بالغرب الإسلامي

انقسمت السلفيّة في الغرب الإسلامي إلى اتِّجاهين، هما السلفية المجددة التحررية، والسلفية ‏الجديدة. ‏

‏-‏ السلفيّة المجددة التحرُريّة: ‏

من روّادها السلفي المغربي محمد بن العربي العلوي الذي نادى بتحرير الفكر والإعلاء من ‏قيمة الحرية، ومن هنا موقفه الحداثي المتقدِّم الدّاعي إلى تعليم المرأة وخوضها غمار العمل ‏جنبًا إلى جنب مع الرجل ومحاربة الشَّعوذة والدَّجل، ويتماهى مع هذا المُصلح في المواقف ‏روّاد آخرون منهم أبو شعيب الدكالي، والمؤسف أنه على الرغم من الأفكار المتقدِّمة لهذا ‏الاتِّجاه، إلّا أنه لم يترك إنتاجًا مكتوبًا ذا بال خلافًا للاتِّجاه الثاني.‏

‏-‏ السلفيّة الجديدة: ‏

وهو اتِّجاه أقلّ تجديدًا من الأوَّل لانخراطه وانشغاله بالعمل السياسي، ويُعتبر علال الفاسي من ‏أهم نماذج هذا الاتِّجاه، وتجدر الإشارة أنه على الرغم من غزارة إنتاج هذا المُصلح، فإنَّ ‏أعماله كانت متباينة من حيث قيمتها العلميّة والتجديديّة، ومن أعماله القيّمة كتابه "دفاع عن ‏الشريعة"، حيث نجده يتبنّى رأيًا فلسفيًّا وفقهيًّا متقدِّمًا سبق أن تبنّاه الفيلسوف ابن رشد. يقول ‏فيه: "ونحن نقطع قطعًا أنَّ كل ما أوصل إليه البرهان، وخالفه ظاهر الشرع. أنَّ ذلك الظاهر ‏يقبل التأويل على قانون التأويل العربي، ومحطّ نظر العلماء قاطبةً هو استعمال ميزان العقل ‏لاستنباط الأحكام من الكتاب والسُنّة المبيّنة له، وهذا ما سمّاه علماء المسلمين بالاجتهاد، وهو ‏طريق سلوك دائمًا يتمكّن به أهله من تطبيق الكليّات القرآنية على جزئيّات الأحكام ‏المستجدّة"(3).‏

مُعارضة الفكر السّلفي المتشدِّد والتزام الوسطيّة واجتناب التَّكفير ‏

من بين العلماء الذين يمثلون هذه الحالة العلّامة التونسي محمد الطاهر بن عاشور، حيث يقول ‏في هذا الصَّدد: "وفيما عدا ما هو معلوم من الدين بالضرورة من الاعتقادات، فالمسلم مخيّر ‏في اعتقاد ما شاء منه إلا أنه في مراتب الصواب والخطأ. فللمسلم أن يكون سنيًّا سلفيًّا، أو ‏أشعريًّا أو ماتُريديًّا، وأن يكون معتزليًّا أو خارجيًّا أو زيديًّا أو إماميًّا. وقواعد العلوم وصحّة ‏المُناظرة تميّز ما في هذه النحل من مقادير الصواب والخطأ،‎ ‎أو الحق والباطل. ولا نكفِّر أحدًا ‏من أهل القِبْلة"(4).‏

أمّا عن مواقف الفكر الإصلاحي الديني من قضايا الهويّة والمرجعيّة والإصلاح الفكري ‏والحقوق المدنيّة والسياسيّة، فيمكن تسجيل الملاحظات التالية:‏

‏-‏ مساهمة هذا الفكر في نموّ الوعي والشعور الوطني والإحساس بالذات والاختلاف مع ‏الآخر والانتماء إلى أمّة عريقة.‏

‏-‏ المفاصلة في الهويّة مع المحتل الفرنسي والحس الوطني والعروبي لهذا الفكر ‏والمتجاوز لفكر الأقليّات، ولا نجد خيرًا من نموذج عبدالحميد بن باديس، والذي على ‏الرغم من أمازيغيّته، نجده يتغنّى ويفتخر بالهويّة العربيّة الإسلاميّة قائلًا:‏

شعب الجزائر مسلــم وإلى العروبة ينتسب

مَن قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب

أو رام إدماجًا لـــه رام المُحال من الطلب

يا نشء أنت رجاؤنا وبكَ الصَّباح قد اقترب

خُذ للحياة سلاحهــا وخُض الخطوب ولا تهب

فإذا هلكتُ فصَيْحَتي تحيا الجزائر والعرب

‏-‏ الأخذ من الغرب في أسس وأسباب نجاحه مع تطوير الموروث التراثي، أي المزاوجة ‏بين الأصالة والمعاصرة، ومن أبرز من مثَّل هذا الخيار الفقيه والتاجر المغربي محمد ‏بن الحسن الحجوي، وكتبه تدلِّل على ما قلنا مثل مؤلّفات: "الرحلة الأوربية" و"تعليم ‏الفتيات لا سفور المرأة" و"التعاضد المتين بين العقل والعلم والدين" و"النظام في ‏الإسلام" وكتاب "العقل والنقل في الفكر الإصلاحي المغربي: 1757– 1912".‏

‏-‏ تبنّي الحقوق المدنيّة والسياسيّة والحريّات وحقوق المرأة: ومن بين العلماء الذين مثّلوا ‏هذه الحالة الطاهر الحداد، والذي ينعته ابعضهم برائد تحرير المرأة التونسية، يُضاف ‏إليه مصلحون آخرون مثل محمد بن العربي العلوي والفقيه محمد بن الحسن الحجوي ‏وغيرهما.‏

‏-‏ تميَّز المشروع الإصلاحي الديني للجزائري مالك بن نبي، باعتباره مشروعًا ذا بُعد ‏حضاري شمولي يبحث في أسباب تخلُّف الأمة وشروط النهضة، وقد ضمّن هذا ‏المشروع في سلسلة كتب تحت عنوان "مشكلات الحضارة" بدأها بباريس، ثم تتابعت ‏حلقاتها في مصر فالجزائر، وقد تناول فيها مجموعة من القضايا مثل الظاهرة القرآنية ‏وشروط النهضة وما سماها "القابليّة للاستعمار"، والتي يقول بصددها: "لكي لا نكون ‏مستعمَرين يجب أن نتخلّص من القابلية للاستعمار"، ويضيف: "إنَّ القضية عندنا ‏منوطة أوّلًا بتخلُّصنا ممّا يستغلّه الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته من حيث ‏نشعر أو لا نشعر، وما دام له سلطة خفيّة على توجيه الطاقة الاجتماعية عندنا، ‏وتبديدها وتشتيتها على أيدينا، فلا رجاء في استقلال، ولا أمل في حرية، مهما كانت ‏الأوضاع السياسية، وقد قال أحد المصلحين: أخرِجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من ‏أرضكم"(5)، وعن أثر الفكرة الدينيّة في تكوين الحضارة يقول: "والاعتبارات هذه ‏تبيِّن لنا كيف تشرط الفكرة الدينيّة سلوك الإنسان حتى تجعله قابلًا لإنجاز رسالة ‏مُحضّرة"(6).‏

‏-‏ وهم التحديث والنهضة: في الوقت الذي كان يضرب فيه التخلُّف أطنابه بالمغرب ‏والغرب الإسلامي، نتفاجأ ببعض الأصوات تتحدّث عن حركة تحديثيّة ونهضويّة ‏بالمغرب، ونذكر من بين هؤلاء العلّامة محمد المنوني صاحب مؤلَّف "مظاهر يقظة ‏المغرب الحديث"، والعلّامة محمد المختار السوسي صاحب مصنَّف "المعسول" ذي ‏العشرين جزءًا وكتاب "سوس العالمة" وغيرهما.‏

‏4- مقارنة فيما يخصّ علاقة التيّارات والمدارس الإصلاحيّة الدينيّة بالعمل السياسي ‏والحركة الوطنيّة والمستعمر وقضايا الوحدة والاستقلال: ‏

تفضي هذه المقارنة إلى تسجيل الملاحظات والنماذج والحالات التالية:‏

‏-‏ الاعتدال في التعامل مع المستعمِر: مثَّل هذا التيّار عبدالعزيز الثعالبي بتونس والداعي ‏إلى تطبيق أفكار دستور 1861 وتوفير الحريّات الأساسيّة.‏

‏-‏ اعتبار الفكر الإصلاحي الديني المرحلة التمهيديّة والتأسيسيّة للوعي والعمل الوطني.‏

‏-‏ الفكر الإصلاحي الديني والبراغماتية والتلوُّن السياسي: ومثَّل هذا التيّار محمد بن ‏الحسن الحجوي وأحمد الصبيحي وغيرهما ممَّن انخرطوا في المشروع الاستعماري.‏

‏-‏ التحام الفكر الإصلاحي الديني بالحركة الوطنية: ليس هناك في الغرب الإسلامي ‏نموذج أدلّ على هذه الحالة من نموذج علال الفاسي العابر للمراحل والتيارات ‏والإطارات الفكرية والسياسية، وهذا ما جعل أعماله وإنتاجاته الفكرية، على الرغم من ‏غزارتها من حيث الكمّ، متباينة من حيث قيمتها العلمية والتجديدية، نظرًا لكثرة ‏اهتمامات وانشغالات الرجل، فهو السياسي والسلفي والفقيه والشاعر والمفكر...‏

‏-‏ إخفاق التيار الإصلاحي الديني في الاستمرار في العمل السياسي: ونستدلّ على ذلك ‏من خلال تجربة عبدالعزيز الثعالبي مؤسِّس الحزب الليبرالي الدستوري.‏

‏-‏ الارتباط بالدعوة والابتعاد عن العمل السياسي: خير نموذج على هذا الجزائري ‏عبدالحميد بن باديس.‏

‏-‏ الفكر الإصلاحي المنخرط في العمل الثوري والتحرُّري: من أبرز النماذج التي تجسّدت ‏فيها ظاهرة "المثقف العضوي"، نذكر الجزائريين الفضيل الورتيلاني وإبراهيم بيوض.‏

‏-‏ لبس العلاقة القائمة بين معظم رموز النخبة الدينيّة الإصلاحيّة بالسلطة سواء "المخزن" ‏بالمغرب أو سلطة البايات في تونس.‏

‏5- وسائل عمل وآليات نشر مبادئ الفكر الإصلاحي المغاربي: ‏

تمثَّلت أهمّ هذه الوسائل والآليات فيما يلي:‏

‏-‏ تأسيس حركات ومؤسسات للإصلاح المدني والاجتماعي: مثل حركة "تونس الفتاة" ‏المؤسسة سنة 1904، وجمعية علماء المسلمين المؤسسة بالجزائر سنة 1931‏‎.‎

‏-‏ إصدار الصحف والجرائد مثل جريدة "الشهاب" و"البصائر" بالجزائر.‏

‏-‏ إصدار الكتب مثل كتاب "تونس الشهيدة" لعبدالعزيز الثعالبي.‏

‏-‏ تأسيس المدارس الحرّة لتلقين الثقافة العربية الإسلاميّة، وقد اشتهر في هذا –مثلًا- كل ‏من ابن باديس ورفيقه البشير الإبراهيمي في الجزائر.‏

‏-‏ الجولات والرحلات العلمية مثل جولات الثعالبي في الشرق العربي والهند وفرنسا.‏

‏6- الإنتاج الفكري والعلمي للنخبة الإصلاحيّة الدينيّة المغاربيّة:‏

من خلال إجراء مقارنات في الكَمّ والقيمة والتنوُّع والموضوعيّة، يمكن استخلاص ‏الملاحظات التالية:‏

‏-‏ على الرّغم من قلّة الإنتاج الفكري والعلمي التونسي من حيث الكمّ، يظلّ المصلحون ‏التونسيون الأكثر جرأة من حيث سقف الإصلاح، لاسيّما في جانب الحقوق المدنيّة ‏والسياسيّة وحقوق المرأة.‏

‏-‏ تميُّز التجربة الإصلاحيّة الجزائريّة بميل أصحابها للاكتفاء بالعمل الدعوي والميداني ‏والانخراط مع الجماهير في المقاومة المسلّحة، مقابل الابتعاد عن العمل السياسي ‏وشبهاته وبراغماتيّته.‏

‏-‏ على الرغم من غزارة الإنتاج الفكري والإصلاحي للتجربة المغربية، فإنَّ رحم هذه ‏التجربة لم يلد شخصيّات وازنة تمثِّل رموزًا وعلامات خاصة، كمحمد الطاهر بن ‏عاشور بالنسبة لتونس ومالك بن نبي بالنسبة للجزائر، وهذا على سبيل المثال لا ‏الحصر.‏

وفي الختام نتساءل عن وزن وقيمة الفكر الإصلاحي الديني المغاربي، والنتائج المحقَّقة فيما ‏يخصّ محاولة التجديد ومواكبة العصر؛ هل قدَّم هذا الفكر مشروعًا فكريًّا وتجديدًا حقيقيًّا ‏ومتكاملًا وواضحًا؟

لا بدَّ أنَّ الإجابة عن السؤال لا تخلو من حرج، لكنَّ الموضوعيّة تقتضي التصريح بالتالي:‏

‏-‏ لم تقدِّم التجربة الإصلاحيّة المغاربيّة، خلال الفترة المدروسة، مشروعًا فكريًّا واضحًا ‏ومتناغمًا ومتكامل الأركان وله مواقف حاسمة لا لبس فيها تجاه العديد من القضايا ‏المفصليّة، كقضية الهوية ومُدخلات الإصلاح وأسبابه وحقوق المرأة والعلاقة بالآخر ‏وغيرها من القضايا.‏

‏-‏ كانت التجربة الإصلاحيّة بالغرب الإسلامي تجربة رموز وشخصيّات لكلٍّ منها ‏مساره، أكثر من كونها مشروعًا إصلاحيًّا جامعًا له مرجعيّته وأسسه وأفكاره ومواقفه ‏الواضحة والثابتة.‏

الهوامش:‏

‏(1)‏ ‏ انظر مثلًا مجلة "دعوة الحق"، القرويين‎ ‎في‎ ‎مطلع‎ ‎القرن‎ ‎العشرين‎ ‎بين‎ ‎التقليد‎ ‎والتجديد، ‏عدد‎364‎،‎ ‎السنة 43، 2002.‏

‏(2)‏ ‏ ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، الجزء الأول، الدار التونسية للنشر، ‏تونس، 1984، ص8-9.‏

‏(3)‏ ‏ الفاسي، علال، دفاع عن الشريعة، دار الكتاب المصري، القاهرة، مكتبة الإسكندرية، دار ‏الكتاب اللبناني، بيروت، 2011، ص140.‏

‏(4)‏ ‏ ابن عاشور، محمد الطاهر، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الشركة التونسية ‏للتوزيع، تونس، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985، ط2، ص172.‏

‏(5)‏ ‏ بن نبي، مالك، سلسلة مشكلات الحضارة: شروط النهضة، ترجمة عبدالصبور شاهين ‏وعمر كامل مسقاوي، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق، إصدار ندوة مالك بن ‏نبي، 1986، ص154–155.‏

‏(6)‏ ‏ نفسه، ص71.‏